اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 240
ضرب من الوضع:
وضرب آخر من الوضع سنه الأدباء فيما يتكلفون له من الشعر والرسائل والخطب[1]، إذ عرضوا ذلك يطلبون فيه رأي النقادين وأهل البصر بالكلام، وأن يعرفوا موقع ما يأتون به من الاستحسان، ومبلغ تجرد الهوى في الحكم عليه. قال الجاحظ يزين هذه الطريقة: "فإن أردت أن تتكلف هذه الصناعة، وتنسب إلى هذا الأدب، فقرضت قصيدة أو حبرت خطبة أو ألفت رسالة، فإياك أن تدعوك ثقتك بنفسك، وعجبك بثمرة عقلك، إلى أن تنتحله وتدعيه، ولكن اعرضه على العلماء في عرض رسائل أو أشعار أو خطب، فإن رأيت الأسماع تصغي له، والعيون تحدج إليه، ورأيت من يطلبه ويستحسنه فيخرج عندهم مخرج المتروك وينتفي منه قائله ولا ينفيه، فعسى أن يكون فيمن سمعه من يحفظه مدخولًا، أو يرويه منحولًا، ويجريه مع سائر القصيدة أو الخطبة أو الرسالة -إن كان في شيء من ذلك- على أنه بعضه، أو يحفظ نسبته إن كان في كلام متفرق، ويكون ذلك سبب وضعه، ثم يمر في الأفواه فتصقله، ويلقيه الزمن بعد ذلك لمن ينقله؛ ولا شك عندنا أن مثل هذا في تاريخ الوضع قول ومذهب.
التعليق على الكتب:
وههنا نوع من الرواية الموضوعة كان يذهب إليه بعض المتأخرين؛ وذلك أن الواحد منهم ربما ألحق الأبيات للشاعر المتأخر ببعض العرب ويعلق ذلك على كتاب عنده، أو ينحل الشاعر أبياتًا لغيره ثم يدسها في ديوان شعره، على أن يكون هذا مما يكاد به لذلك الشاعر، حسدًا له، ونفاسة عليه، أو عبثًا يلهو به من يفعل ذلك، أو لسبب مما يجري هذا المجرى، وقد اختلف العلماء في أشباه من هذا الجنس، قال المعري في كتاب "عبث الوليد" وحكى بعض الكتاب أنه رأى كتابًا قديمًا قد كتب على ظهره: أنشدنا أحمد بن يحيى عن ثعلب:
من الجآذر في زي الرعابيب1
وذكر خمسة أبيات من أول هذه القصيدة، وهذا كذب قبيح وافتراء بين، وإنما فعله مفرط الحسد، قليل الخبرة بمظان الصواب، غرضه أن يلبس على الجهال. وقد رويت أبيات أبي عبادة "البحتري" التي في صفة الذئب لبعض العرب، ويجب أن يكون ذلك كذبًا مثل ما تقدم. وقد نسبوا الأبيات التي في صفة الذئب إلى عبد الله بن أنيس صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو من بني البرك راشد بن وبرة، ولا ريب أن ذلك باطل, والشواهد من هذا النوع غير قليلة. [1] مطلع قصيدة للمتنبي في كافور. الشوارد:
ومن الشعر نتف قليلة تقع في البيتين والثلاثة، ويسميها الرواة بالشوارد؛ لأنهم لا يعرفون نسبتها، بل يروونها على أنها مرسلة لا أرباب لها، وهي نادرة في الشعر؛ لأنهم لا يحفلون بما جهلوا نسبته كما مر في موضعه، بيد أنه متى كانت الأبيات لا شاهد فيها وكانت جيدة حسنة السبك رصينة المعنى طلية العبارة، عدوها من الشوارد لتجوز من هذا الباب إلى الرواية؛ فمن ذلك ما رواه أبو عبيدة، قال: من الشوارد التي لا أرباب لها قول بعضهم:
إن يغدروا أو يفجروا ... أو يبخلوا لم يحفلوا
يغدوا عليك مرجلـ ... ـين كأنهم لم يفعلوا
كأبي براقش كل يو ... م لونه يتبد
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 240