اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 239
وقد يزيدون في القصيدة ويبعدون بآخرها متى وجدوا لذلك باعثًا، كقصيدة أبي طالب التي قالها في النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مشهورة، أولها:
خليلي ما أذني لأول عاذل ... بصغواء في حق ولا عند باطل
قال ابن سلام: زاد الناس في قصيدة أبي طالب وطُوّلت بحيث لا يُدرى أين منتهاها، وقد سألني الأصمعي عنها فقلت صحيحة، فقال: أتدري أين منتهاها؟ قلت: لا، قلنا: وإنما طولت هذه القصيدة معارضة للطوال المعروفة "بالمعلقات" حتى لا يكون من شعر الجاهلية ما هو خير مما قاله عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن في أصلها أبياتًا هاشمية تفي بكثير من الطوال.
ولما كان علم العرب كله في البصرة والكوفة بعد أن نشأت الرواية لم يكن الناس يأبهون لما يظهر في غيرهما؛ فكانت تسقط أخبار الوضاعين في الأمصار لذلك، إلا قليلًا يأتي عن بعض علماء البلدين، كالذي ذكره الأصمعي، قال: أقمت بالمدينة زمانًا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة، إلا مصحفة أو مصنوعة؛ وكان بها ابن دأب يضع الشعر وأحاديث السمر وكلامًا ينسبه إلى العرب، فسقط وذهب علمه وخبت روايته؛ وهو عيسى بن يزيد، يكنى أبا الوليد، وكان شاعرًا وعلمه بالأخبار أكثر.
ولما فشا أمر الصنعة في الشعر، جعل المتأخرين يضعون القصيد والرجز وينسبونه لمن اشتهروا بالوضع من المتقدمين، كخلف؛ أو بالاتساع في الرواية، كالأصمعي؛ لأن من أجاز على الناس أجاز الناس عليه.
وما ظالم إلا سيبلى بأظلم
وأخذ القصاص أيضًا في هذه الناحية، فصنعوا الأخبار الكثيرة وأسندوها إلى علماء الأنساب والأخباريين، ليعطوها بذلك معنى التاريخ الذي تثبته الرواية.
1 لم تتناول الرواية من المنثور غير الخطب؛ لأن الرسائل لم تكن في الجاهلية، ولا كان ما يصنعه الإسلاميون منها مما له متعلق في غرض من أغراض الرواية إلا عند الأخباريين "المؤرخين"، ولهذا لم يكن الوضع في المنثور إلا على الخطباء خاصة؛ وأكثر ما يكون الوضع من ذلك في الكلام المغمور أهله الذي يدور على الألسنة وإن كان سريا شريفًا؛ لأن جميع القائلين لم يرزقوا الحظ في ذلك على السواء، وقد قال الجاحظ: ما علمت أنه كان في الخطباء أحد أجود خطبًا من خالد بن صفوان وشبيب بن شبة الذي يحفظ الناس ويدور على ألسنتهم من كلامهما. وما علمنا أن أحدًا ولد لهما حرفًا واحدًا، ا. هـ.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 239