اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 121
ومن معنى كف عن الأمر قيل: كف بصره؛ وهو من المجاز المرسل، من قبيل استعمال العام في الخاص.
وفي مثل مأخذه قولهم: وكفاف من الرزق أي: ما كف عن الناس وأغنى.
ثم قيل من معنى الكف للجارحة: كفة الميزان، وكفة المقلاع؛ لشبهها بالكف في الهيئة، وهي من الاستعارة.
ثم استعيرت الكفة لعود الدف بكفة الميزان في الاستدارة والإحاطة، ومثلها الكفاف: وهو ما استدار بالشيء.
والكفة أيضًا النقرة المستديرة يجتمع فيها الماء، وهي مما ذكر.
ومن معنى الاستدارة قيل: كفة الصائد، وهي الحبالة يجعلها كالطوق، ومثلها كفة اللثة، وهي ما انحدر منها على أصول الأسنان، وكفة القميص، وهي ما استدار حول الذيل، وكذلك كفة الدرع، وهي أسفلها.
ثم قيل من هذا المعنى: استكفوا حوله، إذا أحاطوا به ينظرون إليه؛ واستكفت الحية إذا ترحت، أي: استدارت كهيئة الرحى.
ومن كفة القميص قيل: كفة الثوب وغيره، وهي حاشيته.
ومن معنى الحاشية قيل: كفة الشيء، بمعنى حرفه؛ وكفاف السيف "بالكسر" بمعنى غراره "أي: حده"، وكل ذلك على التشبيه.
ثم قيل من معنى الحاشية: كف القميص؛ إذا خاط حاشيته.
ومن معنى الحرف: كف الإناء، إذ ملأه ملأ مفرطًا، كان المعنى ملأه حتى بلغ كفته.
وبقيت معان من هذه المادة ترجع إلى معنى الكف، أو شيء من المجاز المأخوذ عن بعض المعاني الراجعة إليه، بحيث ترى المعاني سلسلة متصلة من أول المادة إلى آخرها. وهذا هو الأصل الذي عليه معظم كلامهم؛ فإذا تدبرته رأيت أن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة، وتبينت صحة قولهم: إن منكر المجاز في اللغة جاحد للضرورة ومبطل محاسن لغة العرب.
وقد ذكروا أن بعض العلماء يذهبون إلى أن اللغة كلها حقيقة، وأن تسمية الرجل بالأسد لغة لقوم، وتسمية الحيوان المفترس بالأسد لغة أخرى.... وهو رأي بيّن الأفن، وأكبر ظننا أنه لم يقل به أحد وإنما أورده بعض علماء الأصول؛ لأنه مما يتمحل له ويرد عليه ويكون مادة في الجدل؛ وذلك من أمرهم، والله أعلم.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 121