اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 120
1- الإكثار من الألفاظ وتعدد الوضع الواحد تفننًا في التعبير، كما تسمى الخوذة بالبيضة وبالتريكة، وهي بيضة النعام بعد أن يخرج منها الفرخ وكتسمية المطر بالسماء، والنبات بالغيث، ونحو ذلك.
2- التذرع إلى الوضع فيما لم يوضع له لفظ من المحسوسات، كتسمية البياض في العين بالكوكب، وغضروف الأذن بالمحارة، والهنية الناشزة في مقدم الأذن بالوتد، وكقولهم: ذؤابة الرحل، للجلدة المعلقة على آخره، وعنق الإبريق، وساق الشجرة، وأبط الوادي، ونحو ذلك.
36- التذرع إلى الوضع لتمثيل صور المعاني، كقولهم: نبض البرق، إذا لمع خفيفًا، من نبضان العرق؛ وسبح الفرس، إذا مد يديه في الجري كما يفعل السابح في الماء؛ ورنقت السفينة، إذا دارت في موضع واحد لا تمضي من ترنيق الطائر، وهو أن يخفق بجناحه ويرفرف ولا يطير.
4- الرمز إلى حقائق المعاني، كقولهم: سافر ولا ظهر له، أي: ولا دابة يركب ظهرها؛ وفلان يملك كذا رقبة؛ أي: عبدًا؛ وقطع الأمير اللص، أي: قطع يده؛ وبزلت الخمر، أي: ثقبت دنها، وهلم جرا.
وهذه الجهات الأربع الأصلية تجمع أنواع المجاز وكل ما يحمل على هذه الأنواع، ثم هي معان تشبه أن تكون تاريخية في حركة النمو، والاتساع من هذه اللغة، ولذلك استخرجناها وعدلنا إليها عن تقسيم علماء البيان، فإن لهم في بحث المجاز كلامًا مستفيضا مضطربًا لا يؤخذ منه شيء يلتحق بغرضنا في هذا التاريخ.
وقد رأينا أن ننقل مادة من مواد اللغة تمثل هذا الوضع. وكيف اتسعت به اللغة حتى قلب المعنى الواحد على صور كثيرة، وهي مما نقله بعض اللغويين مثالًا لما نحن بسبيله؛ ومثل هذه المادة كثير في اللغة تطفح به معاجمها، وإنما خصها بالذكر لسعة التصرف فيها ووضوح المآخذ، وهي مادة "ك ف ف".
وأصل المعنى فيها: الكف، وهي الجارحة المعروفة، والكلمة مشتركة بين العربية وغيرها من اللغات السامية، ومأخذها في العبرانية والسريانية من معنى الانحناء والانعطاف. هذا أصلها.
ثم اشتقوا منها قولهم: كفه عن الأمر، إذا منعه، كأنه دفعه بكفه، فنقلوا معنى الكف إلى لازمها، وهو من المجاز المرسل.
وقيل من هذا: كف هو عن الأمر، إذا امتنع، فنقل الفعل من التعدي إلى اللزوم، وهو من قبيل ما سبقه.
ثم قيل: استكف السائل، وتكفف، إذا طلب بكفه. ويقال أيضًا: استكف بالصدقة، إذ مد يده بها يعطيها؛ فضمن الأول معنى الاستعطاء، والثاني معنى الإعطاء؛ وكلاهما مما ذكر.
ومن هذا القبيل قولهم: استكففت الشيء، إذا استوضحته بأن تضع كفك على حاجبك كمن يستظل من الشمس، فاستعمل هنا في معنى آخر من لوازم الكف.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 120