اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 135
وضع المظهر موضع المضمر:
وقد يعكس فيوضع المظهر موضع المضمر؛ فإن كان المظهر اسم إشارة فذلك إما لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بحكم بديع؛ كقوله "من البسيط":
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا1
وإما للتهكم بالسامع: كما إذا كان فاقد البصر، أو لم يكن ثَمَّ مشار إليه أصلا[2].
وإما للنداء على كمال بلادته بأنه لا يدرك غير المحسوس بالبصر، أو على كمال فطانته بأن غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره، وإما لادعاء أنه كمل
1 هما لأحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندي، وكان يُرمى بالزندقة، وقيل: إنه كان من المتصوفة. وكل من "عاقل" الثانية و"جاهل" الثانية صفة للأولى منهما على معنى: كامل في العقل وكامل في الجهل، وليس ذلك من التأكيد اللفظي؛ لأنه إنما يكون لدفع توهم سهو أو نحوه، وهو غير محتمل هنا. وقوله: "أعيت مذاهبه" بمعنى أعجزته طرق معاشه، أو أعيت عليه متعدية أو لازمة، والأوهام يراد بها العقول من تسمية المحلّ باسم الحالّ على المجاز المرسل، والنحرير من نحر الأمور علما: أتقنها، والزنديق الذي يؤمن بالزندقة وهي القول بأزلية العالم، وتُوُسِّع فيه فأُطلق على كل شاكّ أو ضالّ أو ملحد. والشاهد في اسم الإشارة؛ لأنه يعود إلى الحكم السابق عليه، وهو كون العاقل محروما والجاهل مرزوقا؛ فالمقام للضمير لأن هذا الحكم غير محسوس، واسم الإشارة موضوع للمحسوس، والحكم البديع الذي أسند إلى اسم الإشارة هو جعل الأوهام حائرة والعالم النحرير زنديقا. [2] كأن يقول لك أعمى: أتشهد أن زيدا ضربني؟ فتقول له: "نعم، ذلك الذي في جانبك" سواء أكان في جانبه أم لم يكن.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 135