له من نفسه مثلا على وجوب احترام المنصب وإجلاله وإنزاله المنزلة الأولى بين أعمال المجتمع الإنساني إذ يراه بعينه يتجرع مرارة الذل ويعاني من كبرياء رؤسائه وقسوة المسيطرين عليه عناء شديدا ويحتمل من ذلك ما لا يحتمله الرجل الشريف حرصا على منصبه وإرعاء عليه، فكأنما يتلقى عنه درسا عمليا موضوعه "إن من يخاطر بمنصبه يخاطر بحياته؛ لأن المنصب كل شيء في هذه الحياة" أما المجتمع فإنه يحترم الموظف الصغير، أكثر مما يحترم العالم الكبير، ويطير إلى تهنئته بإقبال المنصب عليه وتعزيته عن إدباره عنه, كأن الكوكب لا يدور إلا في دائرة المناصب نحوسا وسعودا، فإذا رأى الناشئ ذلك أكبر الوظيفة أيما إكبار ولج به الحرص عليها، واللصوق بها، وكان سروره وحزنه على قدر قربها منه أو بعدها عنه، فإذا وفق إليها لطم بأنفه قبة السماء، وداس بنعله رأس الجوزاء، وإن يئس منها قتل نفسه وهو يتمثل بقول ذلك الشاعر الأحمق:
فإما الثريا وإما الثرى
أيها الناشئ: لقد جهل أبوك وغشك أستاذك وخدعك هذا المجتمع الفاسد فكن أحسن حالا منهم, واعلم أن شرف العلم أكبر من شرف المنصب وأن المنصب ما كان شريفا؛ إلا لأنه حسنة من حسنات العلم وأثر من آثاره، فإن فاتك حظك منه