إن الناس من تكون عنده المعونة الصالحة للبر والإحسان فلا يفعل، فإذا مشى مشى متدفعًا مندلثًا[1] لا يلوي على شيء مما حوله من المناظر المؤثرة المحزنة، وإذا وقع نظره على بائس لا يكون نصيبه منه إلا الإغراب في الضحك سخرية به، وببذاذة ثوبه ودمامة خلقه، وإن من الناس من إذا عاشر الناس عاشرهم ليعرف كيف يحتلب دِرَّتهم[2] ويمتص دماءهم، ولا يعاملهم إلا كما يعامل شويهاته وبقراته، لا يقربها ولا يُطعمها ولا يَسقيها إلا لما يترقب من الريح في الإتجار بألبانها وأصوافها، ولو استطاع أن يهدم بيتًا؛ ليربح حجر لفعل، وإن من الناس من لا حديث له إلا الدينار، وأين مستقره وكيف الطريق إليه، وما السبيل إلى حبسه والوقوف في وجهه والحيطة لفراره، يبيت ليله حزينًا كئيبًا لأن خزانته ينقصها درهم كان يتخيل في يقظته أو يرى في منامه أنه سيأتيه فلم يُقيَّض له، وإن من الناس من يؤذي الناس لا يجلب بذلك لنفسه منفعة أو يدفع عنها مضرة بل لأنه شرير يدفعه طبعه إلى ما لا يعرف وجهه أو لِيضرّيَ3 [1] اندلث في الأمر: اندفع فيه. [2] الدرة اللبن إذا كثر وسال.
3 يقال أضرى فلان كلبه بالصيد وضراه إذا أغراه به وعوده متابعته.