اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 469
الباب الخامس والسبعون في المزاح والنهي عنه وما جاء في الترخيص فيه والبسط والتنعم
وفيه فصول
الفصل الأول في النهي عن المزاح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المزاح استدراج من الشيطان واختلاع من الهوى» . وعن علي: ما مزح أحد مزحة إلا مجّ الله من عقله مجة وعنه: إياك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا، وإن حكيت ذلك عن غيرك.
وكتب عمر رضي الله تعالى عنه إلى عماله: إمنعوا الناس من المزاح، فإنه يذهب بالمروءة ويوغر الصدور، وقال بعض الحكماء: تجنب سوء المزاح ونكد الهزل، فإنهما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلا بعد غم.
وقال آخر: لكل شيء بذر وبذر العداوة المزاح. وعن محمد بن المنكدر قال: قالت لي أمي: لا تمازح الصبيان تهن عندهم، وخرج أعرابي بالليل، فإذا بجارية جميلة فراودها، فقالت: أما لك زاجر من عقلك إذا لم يكن لك واعظ من دينك، فقال: والله ما يرانا إلا الكواكب، فقالت له: يا هذا. وأين مكوكبها؟ فأخجله كلامها، فقال لها:
إنما كنت مازحا، فقالت:
فإياك إيّاك المزاح فإنّه يجري «1» ... عليك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ... ويورث بعد العز صاحبه ذلّا
وقال الأحنف: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة، ومن لزم شيئا عرف به. ومما روي عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يتحادثون ويتناشدون الأشعار، فإذا جاء ذكر الله انقلبت حماليقهم كأنهم لم يعرفوا أحدا.
الفصل الثاني فيما جاء في الترخيص في المزاح والبسط والتنعم
لا بأس بالمزاح ما لم يكن سفها، والله تعالى وعد في اللمم بالتجاوز والعفو فقال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ
«2» .
وقيل: إن يحيى بن زكريا لقي عيسى عليه الصلاة والسلام فقال: مالي أراك لاهيا كأنك آمن، فقال له عيسى: مالي أراك عابسا كأنك آيس، فقال: لا تبرح حتى ينزل علينا الوحي، فأوحى الله إليهما أن أحبكما إليّ أحسنكما ظنا بي. ويروى إن أحبكما إلي الطلق البسام.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لجارية:
خلقني خالق الخير وخلقك خالق الشر، فبكت الجارية.
فقال عمر: لا بأس عليك، فإن الله خالق الخير والشر.
قال الشاعر:
إنّ الصديق يريد بسطك مازحا ... فإذا رأى منك الملالة يقصر
وترى العدو إذا تيقّن أنّه ... يؤذيك بالمزح العنيف يكثّر
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا، فمن مزحه صلى الله عليه وسلم أنه جاء رجل، فقال: يا رسول الله احملني على جمل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا أحملك إلا على ولد الناقة، فقال: يا رسول الله، إنه لا يطيقني. فقال له الناس: ويحك. وهل الجمل إلا ولد الناقة؟
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: إلحقي زوجك ففي عينيه بياض، فسعت إلى زوجها مرعوبة، فقال لها:
ما دهاك؟ قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي إن في عينيك بياضا، فقال: نعم والله وسوادا. وأتته أيضا عجوز أنصارية، فقالت: يا رسول الله، أدع الله لي أن يدخلني الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت المرأة تبكي، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال لها: أما قرأت قوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً 35 فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً 36 عُرُباً أَتْراباً 37
«3» .
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلما كثر لحمي سابقته، فسبقني،
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 469