اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 459
قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال: فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولا لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى، قلت: من هذه؟ قالوا فلانة أم حليلتك، قلت: مرحبا وأهلا وسهلا، فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت:
السلام عليك يا أبا أمية.
فقلت: وعليك السلام ومرحبا بك وأهلا قالت: كيف رأيت زوجتك قلت: خير زوجة وأوفق قرينة لقد أدبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاكي الله خيرا.
فقالت: أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالا منها في حالتين، قلت: وما هما؟ قالت: إذا ولدت غلاما أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فو الله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة، فقلت. والله لقد أدبت، فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة.
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت:
ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثت معي يا شعبي عشرين سنة لم أعب عليها شيئا، وكان لي جار من كندة يفزع امرأته ويضربها، فقلت في ذلك:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم تضرب زينب
أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل منّي ضرب من ليس يذنب
فزينب شمس والنساء كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وخطب الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم على ألفي ألف في السر وخمسمائة ألف في العلانية، فأجابه إلى ذلك، وحملها إلى العراق، فأقامت عنده ثمانية أشهر، فلما خرج عبد الله بن جعفر إلى عبد الملك بن مروان وافدا نزل بدمشق. فأتاه الوليد بن عبد الملك على بغلة، ومعه الناس، فاستقبله ابن جعفر بالترحيب فقال له الوليد: لكنك أنت لا مرحبا بك ولا أهلا، قال: مهلا يا ابن أخي، فلست أهلا لهذه المقالة منك، قال: بلى والله، وبشر منها، قال: وفيم ذلك؟
قال: لأنك عمدت إلى عقيلة نساء العرب وسيدة نساء بني عبد مناف فعرضتها عبد ثقيف يتفخذها. قال: وفي هذا عتبت عليّ يا ابن أخي؟ قال: نعم، فقال عبد الله: والله ما أحق الناس أن لا يلومني في هذا إلا أنت وأبوك، لأن من كان قبلكم من الولاة كانوا يصلون رحمي ويعرفون حقي، وإنك وأباك منعتماني رفدكما حتى ركبني الدين أما والله لو أن عبدا حبشيا مجدعا أعطاني بها ما أعطاني عبد ثقيف لزوجتها منه إنما فديت بها رقبتي، فما راجعه كلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى دخل على عبد الملك، فقال: ما لك يا أبا عباس؟ قال: إنك سلطت عبد ثقيف وملكته حتى تفخذ نساء بني عبد مناف، فأدركت عبد الملك غيرة، فكتب إلى الحجاج يقسم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يطلقها ففعل. قال: ولم يكن يقطع الحجاج عنها رزقا ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا وما زال واصلا لعبد الله بن جعفر حتى مات. وما كان يأتي عليه حول إلا وعنده عير مقبلة من عند الحجاج عليها أموال وكسوة وتحف.
وحكي أن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة سار إلى دير هند بنت النعمان وهي فيه عمياء مترهبة، فاستأذن عليها، فقالت: من أنت؟ قال: المغيرة بن شعبة الثقفي. قالت:
ما حاجتك؟ قال: جئت خاطبا. قالت: إنك لم تكن جئتني لجمال ولا مال، ولكنك أردت أن تتشرف في محافل العرب. فتقول: تزوجت بنت النعمان بن المنذر، وإلا فأي خير في اجتماع عمياء وأعور. وكان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قد تزوج عاتكة بنت عمرو بن نفيل، وكانت من أجمل نساء قريش، وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرّهم بوالديه. فلما دخل بها غلبت على عقله وأحبها حبا شديدا، فثقل ذلك على أبيه، فمر به أبو بكر يوما، وهو في غرفة له، فقال: يا بني إني أرى هذه المرأة قد أذهلت رأيك، وغلبت على عقلك، فطلقها، قال: لست أقدر على ذلك، فقال: أقسمت عليك إلا طلقتها، فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها، فجزع عليها جزعا شديدا، وامتنع من الطعام والشراب، فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن. فمر به يوما، وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات:
فوالله لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما ناح قمريّ الحمام المطوّق «1»
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 459