اسم الکتاب : المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 304
ثالثًا: الألفاظ والأساليب
لا ينبغي في التصور عقد التلازم بين الصنعة الشعرية الفائقة وبين الدرجة العالية "الأكاديمية" في التعليم، وتجربة الباروي رائد البعث الأدبي والشعري في العالم العربي حديثًا هي الدليل الواقعي، فقد تتلمذ على دواوين الفحول من الشعراء القدامي فقط لا في جامعة متخصصة.
فالشاعر العسيري التحق بكلية الشريعة قسم اللغة العربية في مكة المكرمة لسنة واحدة فقط، وتركها ليلتحق بكلية "قوى الأمن الداخلي" في 12/ 3م 1390هـ؛ ليعمل بعد ذلك في شرطة "جدة"، وقدم لنا هذا الديوان لكي ينفي من التصور هذا التلازم، فالموهبة الشعرية لا تحتاج إلى "أكاديمية" التعليم، حتى يحصل الشاعر على الشهادة العالية في اللغة العربية وآدابها، ولكن الإلهام الشعري حقله الخصب هو اللغة العربية وآدابها، فالشاعر هو الذي يدرك أسرار اللغة، ويحسب بإلهامه العلاقات بين ألفاظها ومعانيها، وخاصة إذا كان مثل الشاعر العسيري، الذي عاش في حقول اللغة العربية وموطنها الأصيل؛ حيث تلقاها بفطرته السليمة، من ذوي الفطر الصافية حوله، فقد ازدهرت بين حقولهم اللغة العربية، لذلك لا تعجب أن يظل الشاعر مفطورًا على ما اشتهر بين قومه وعشيرته من لهجة، تمكنت من ألسنتهم بالسليقة، وما زالت بين أهل الجنوب حتى يومنا هذا، وهي:
أن ينطقوا الظاء ضادًا وبالعكس، ويكتبوها كذلك في كتاباتهم، وهذا ما عبَّر عنه العسيري في قوله:
ضل يبكي في خشوع ... هل ستنجيه الدموع1
والمشهور في لغة القرآن الكريم "ظل".
والألفاظ والأساليب عند الشاعر لا تجد فيها لفظ سوقيًّا ولا عاميًّا، بل تمتاز بالرقة والعذوبة والجزالة والوضوح، والشفافية عن معناها، كما تجد الأساليب محكمة غير قلقة في مكانها، متلاحمة النسج بلا اضطراب.
والألفاظ والأساليب تتلاءم مع المعاني والأغراض في شعره، فقصيدته "دموع الحياة" يتلاءم النظم فيها مع الغرض في نسج من الألفاظ الدامية الجريحة التي تعبِّر عن قوة جبروت القادر:
1 في متاهات الحياة: 29.
اسم الکتاب : المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 304