اسم الکتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي المؤلف : عبد اللطيف محمود حمزة الجزء : 1 صفحة : 309
فالمعروف أن الخفاش يختفي بالنهار، فإذا أقبل الليل خرج للبحث عن الغذاء طائرًا بسرعةٍ كبيرةٍ في الظلام الحالك، دون أن يصطدم بتاتًا بالأشجار أو بالأبنية التي تعترض طريقه، وكثيرًا ما يخترق الغابات الكثيقة التي تمتليء بالأشجار المتقاربة والأغصان المتشابكة، فيمرق بينها مروق السهم، في سهولة وأمان!
وقد كانت هذه الظاهرة العجيبة -ونعنى بها: تحاشي الخفاش تلك العوائق المتقاربة, وعدم اصطدامه بها- مما آثار دهشة الباحثين زمنًا طويلًا، لما ثبت من أنه لا يستطيع أن يراها في الظلام، فهو إذن لا يعتمد في تجنبها على حاسة النظر، بل هناك -ولاشك- حاسة أخرى، هي التي تنير له السبيل، وتجنبه الاصطدام بتلك العقبات.
وقام كثير من الباحثين بإجراء تجارب عدة, أظهرت في وضوحٍ تامٍّ أن الخفاش لا يعتمد على الإبصار في طيرانه ليلًا، فقد أحضر العالم "سبالانزاني" عددًا من الخفافيش، وفقأ عيونها، ثم تركها بعد ذلك تطير في الهواء، فتبين له من حركتها المتزنة أنها لم تتأثر على الإطلاق بفقدها الإبصار!
ووضع بعض الباحثين خفاشًا في غرفةٍ كبيرةٍ, وثبت في جميع أرجائها أسلاكًا متقاطعة على شكل شبكة، وعلى في تلك الأسلاك أجراسًا صغيرة تدق إذا لمس أي جسم هذه الأسلاك، ثم أطفئت أنوار الغرفة، ووقف الباحثون في ركن منها، لا يرون شيئًا، ولكنهم يسمعون ويحسون بما يجري فيها، وظلوا كذلك حوالي نصف ساعة، والخفاش يطير من مكان إلى مكان متنقلًا بين فتحات تلك الشبكة, دون أن يمسَّ أي جزء فيها، وكان في بعض الأحيان يقترب من وجوههم حتى ليحسون بحركة الهواء الذي تدفعه الأجنحة.
وحينما أضيئت الأنوار انقطع الخفاش عن الطيران، وتراجع إلى أعتم مكان في الغرفة حيث قبع ساكنًا لا يبدي أي حراك.
اسم الکتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي المؤلف : عبد اللطيف محمود حمزة الجزء : 1 صفحة : 309