اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 104
رأوا ثوابه قالوا: يا رب، لا يضره ما أصابه في الدنيا، وتقول الملائكة: يا رب عبدك الكافر تزوي عنه البلاء، وتبسط له في الدنيا، فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن ثوابه [1] ، فاذا رأوا ثوابه قالوا: يا رب، لا ينفعه ما أصاب في الدنيا.
وأخرج عن خالد بن ثابت الربعي، قال: بلغني أنه كان في بني إسرائيل رجل قد قرأ الكتاب وأنه قد طلب بعلمه الشرف والمال في الدنيا، وأنه ابتدع بدعا، وأنه لبث كذلك حتى بلغ سنا، وأنه بينما هو نائم على فراشه إذ تفكر في نفسه فقال: هب هؤلاء الناس لا يعلمون ما ابتدعت، أليس الله قد علم ما ابتدعت وقد اقترب الأجل،/ فلو أني تبت، فبلغ من اجتهاده في التوبة أن عمد فخرّق ترقوته [2] ، وجعل فيها سلسلة، ثم أوثقها إلى آسية [3] من أواسي المسجد، قال: لا أبرح مكاني هذا حتى ينزل فيّ توبة أو موت، فأوحى الله في شأنه إلى نبي من أنبيائهم، أنك لو كنت أصبت ذنبا بيني وبينك لتبت عليك بالغا ما بلغ، ولكن كيف بمن أظللت من عبادي فماتوا فأدخلتهم جهنم، فلا أتوب عليك.
وأخرج عن وهب بن منبه [4] أن عابدا من بني إسرائيل كان في صومعة يتعبد، فاذا نفر من الغواة قالوا: لو استنزلناه بشىء، فذهبوا إلى امرأة بغي، قالوا لها تعرضي له، فجاء ته في ليلة مظلمة مطيرة، فقالت: يا عبد الله [5] ، آوني إليك، وهو قائم يصلي، فلم يلتفت إليها، فقالت: يا عبد الله، الظلمة والغيث، آوني إليك، فأدخلها إليه، فاضطجعت وهو قائم يصلي، فجعلت تتقلب وتريه محاسن خلقها، حتى دعته نفسه إليها، فقال: لا والله، حتى أنظر كيف صبري على النار فدنا من المصباح، فوضع اصبعا من أصابعه فيه حتى احترقت، ثم رجع إلى مصلاه، فدعته نفسه، فعاد إلى المصباح فوضع إصبعه أيضا حتى احترقت، ثم رجع إلى مصلاه، فدعته نفسه أيضا، فلم تزل تدعوه وهو يعود إلى المصباح حتى احترقت أصابعه، وهي تنظر إليه، فصعقت فماتت، فلما أصبحوا، غدوا لينظروا ماذا صنعت، فاذا هي ميتة، فقالوا: يا عدو الله، يا مرائي، وقعت عليها ثم قتلتها، فذهبوا به إلى ملكهم/ فشهدوا عليه، فأمر بقتله، فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فصلى، ثم دعا فقال: أي ربّ، إني أعلم أنّك لم تكن لتؤاخذني بما لم أفعل، ولكن أسألك أن [1] في الحلية- الأصبهاني 4/118: عن عقابه. [2] الترقوة: مقدم الحلق في أعلى الصدر حيثما يترقى الإنسان، وقيل خاص بالإنسان، والجمع التراقي. [3] الآسية: الدعامة لتقوية البناء، وقيل السارية. [4] وهب بن منبه الصنعاني الذماري: مؤرخ كثير الأخبار عن الكتب القديمة، عالم بأساطير الأولين وخاصة الإسرائيليات، أصله من الفرس، ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء صنعاء، ألف مجموعة من الكتب منها قصص الأنبياء، حبسه يوسف بن عمر في العراق وضربه حتى قتله سنة 114 هـ. (تاريخ الإسلام- الذهبي 5/14- 16، شذرات الذهب 1501، طبقات ابن سعد 5/395، حلية الأولياء 4/33. [5] قوله: يا عبد الله آوني إليك وهو قائم يصلي فلم يلتفت إليها. ساقطة من: ط.
اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 104