اسم الکتاب : المحاسن والمساوئ المؤلف : البيهقي، إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 97
وحدثني أيوب بن هارون بن سليمان بن علي قال: جاء يحيى ومعه ابنه جعفر إلى عبد الصمد بن علي فسلم عليه وببابه فتىً من ولد عبد الله بن علي فقام إلى جعفر فقبل يده، فقال له: ائتني وارفع إليّ حوائجك إلى أمير المؤمنين وقد أمرت لك بخمسة آلاف دينار، فقال يحيى: وقد أمرت لك بمثلها وأجريت عليك ثلاثة آلاف درهم في كل شهر فابعث بمن يقبض ذلك. فلما انصرف دعاه عبد الصمد فقال: لم فعلت ما فعلت؟ فقال: أنا ابن أخيك وإنما تصلني في السنة بأربعة آلاف درهم، وقد أغناني هذا وأبوه في ساعة واحدة فكيف تلومني على ذلك؟ وحدّث يحيى بن محمد قال: لما خرج الرشيد إلى القاطول قال ليحيى: يا أبت لا تفجعني بك وكن معي في هذا الوجه لآنس بك، فعمد على الشخوص معه، فقال لرجاء بن عبد العزيز وكان على نفقاته: كم عند وكلائنا من المال؟ قال: سبع مائة ألف درهم، قال: فاقبضها إليك، فغدا إليه فقبّل يده ومنصور بن زياد عنده، فلما خرج رجاء قال لمنصور: قد ظننت أن رجاء توّهم أنا وهبنا له هذا المال وإنما أمرناه بقبضه ليكون معنا في هذا الوجه، فقال منصور: فأنا أعلمه ذلك، قال إذن يقول: فقل له يقبل يدي كما قبلت يده، فلا تقل له شيئاً، وترك المال له. وكان يحيى يقول: اسرف فإن الشرف في السرَف.
ومنهم الفضل بن يحيى البرمكي، فإنه حدثنا محمد بن علي بن عيسى بن ماهان عن محمد بن زيد أنه قال: دخلت على الفضل بن يحيى وقد خرج من الحمّام بعد العصر وهو يقول: أعوذ بالله من النار! فقلت: جعلت فداك! اشتر هذا الوجه الحسن من النار. فدعا بخمس مائة ألف درهم وقال: اشتر بها وجهي الساعة، فقلت: جعلت فداك! الوقت ضيق ولكن غداً إن شاء الله، فقال: لا والله إلا الساعة، فوجهت إلى القضاة في الجانبين بثلاثمائة ألف درهم وحملت إلى أبي محمد السمرقندي منها صدراً وأمرتهم عنه بتفريقه وفرقت البقية بحضرتي، فلم تغب الشمس حتى فرّق ذلك كله.
وحدّث محمد بن الحسين بن مصعب قال: وقف الفضل بن يحيى بخراسان موقفاً لم يقفه أحد قط، خرج إلى الميدان ليضرب بالصوالج فأمر بدفاتر البقايا التي على الناس فأحضرت وأمر الحاجب بالخروج إلى الناس وإعلامهم أنه قد وهبها لهم ثم أمر بها فضربت بالنار، وكان مبلغ ذلك أكثر من عشرين ألف ألف درهم.
وحدث بعض الهاشميين عن خلف المصري قال: مررت يوماً بباب يحيى بن معاذ فوجدته مغلقاً ولم أر بالباب أحداً، فأنكرت ذلك، فدنوت إلى الباب واستفتحت ففتح لي ودخلت عليه وسألته عن حاله فذكر أنه توراى عن غرمائه، فقلت: وكم لديّانك عليك؟ فقال: ثلاثمائة ألف درهم، ثم مضيت إلى الفضل بن يحيى فأخبرته فسكت، فلما انصرف إلى منزلي كتب إلي: إنك دللتنا على مكرمة فشكرناك على ذلك وأمرنا لك بمائة ألف درهم لدلالتك وبعثنا إليك بثلاثمائة ألف درهم لتوصلها إلى يحيى بن معاذ، فأوصلتها إليه فقضى دينه بها.
قيل: ودفع حمزة بن جعفر بن سليمان إلى أبي النضير الشاعر رقعةً ليوصلها إلى الفضل يسأله فيها الإذن في ابتياع ضيعة بفارس، وكان مبلغ ما يوزن في ثمنها مائة ألف درهم، قال أبو النضير: فأخذتها منه فدفعتها إلى الفضل فنظر فيها ووضعها فاغتممت لما رأيت من قلة نشاطه لها، فلما أصبحت قيل لي: خزّان بيت المال يطلبونك، فظننت أنه نظر لي بشيء في خاصتي، فأتيتهم فقالوا لي: أحضر من يحمل المائة الألف إلى صاحب الرقعة، فحملتها إلى حمزة، قال حمزة: فصرت إليه فقلت: أصلح الله الأمير! وصلت إلي صلتك ولا والله ما أدري كيف أشكرك إلا بقول أبي النضير فيك:
وللناس معروفٌ وفيهم صنائعٌ ... ولن يجبر الأحزان إلا جدا الفضل
إذا ما العطايا لم تكن برمكيةً ... فتلك العطايا ما تمرّ وما تُحلى
قال أبو النضير: فالتفت إليّ الفضل فقال: يا أبا النضير جزاؤك عندي، فوصلني حتى أغناني.
اسم الکتاب : المحاسن والمساوئ المؤلف : البيهقي، إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 97