اسم الکتاب : المحاسن والمساوئ المؤلف : البيهقي، إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 96
وحدثنا يعقوب بن إسحاق قال: رأى رجل من الموالي ليحيى رؤيا، وكان يحيى على حال الخوف والوجل من الهادي، فقص الرؤيا على أبيه، فقال: يا بني هذه والله رؤيا عجيبة وأخلق به لأن الرشيد في حجره وولاية العهد له، قال: يا أبت أفترى أن أخبره بها؟ قال: يا بني لا تفعل فإن السلطان غليظ عليه وهو يرميه بالزندقة وأنا أشفق عليه من إتيانه لأنه لا يقبل مثل هذا في هذا الوقت، فعصى الرجل أباه وأتاه، قال الرجل: فلما دخلت عليه رأيت المصحف بين يديه يقرأ فيه فعجبت مما قيل فيه، فلما خف من عنده دنوت منه فقصصت عليه الرؤيا، فقال: يا ابن أخي ما أحسن بالرجل أن يلتمس الرزق بالأحسن الأجمل وأقبح به أن يلتمسه على هذا وربما تذكره مما يشبهه! فخرجت من عنده وقد سقط وجهي، فأتيت أبي فأعلمته، فقال: بُعداً لك وسحقاً! قد نصحت لك فلم تقبل، ثم أقبل يشتمه وتشتمه أمه وأهله ويقولون: نشهد عليك أنك من الزنادقة المعطلين! قال: ثم لم يلبث أن توفي الهادي وأفضى الأمر إلى الرشيد وصار يحيى إلى ما صار إليه، فبينا هو في موكبه يوماً إذ بصر بي فوجه إليّ ودعاني، فدخلت عليه وهو على كرسي قد طرح ثوبه وجعل يمسح وجهه، فلما دنوت منه قال: أين كنت عنا؟ قلت: أعزك الله، والله ما لقيت منك ما يدعو إلى إتيانك! قال: ويحك إنك أتيتنا ونحن في حال كنا نتخوف الجدُر أن يكون فيها من يسعى بنا والإخوان أن يسعوا بنا ويحتالوا علينا، ولم يكن الرأي أن أجيبك إلا بما أجبتك، ووالله ما فارقني الفكر في العناية بك والإيجاب لك والمعرفة بحقك منذ وقعت عليك عيني. ثم أمر سلاماً بإحضار عشرة آلاف درهم فأُحضرت، وأمر بالكتاب إلى سليمان بن راشد بأرمينية فدفع المال إليّ وحملني وخلع عليّ وقال: اذهب فاصلح شأنك وتعال فتسلم كتبك، وأمر لي بعشر من دواب البريد، فانصرفت إلى منزلي وتحتي دابة وعلي خلعة ومعي عشرة آلاف درهم، فقال أبي: ما هذا يا بني؟ فأعلمته الخبر، فما زلت وأهلي وأبي ندعو له ونشهد أنه من الصديقين والشهداء والصالحين، فقلت لبعض جيراننا: ما أصنع بعشر دواب البريد؟ فقال: أكرِها فإنك تصيب في السكك من تقصر به دابته عن حاجته فيكتري منك، قال: فلما كان من الغد عدت إليه فأخذت كتبي وجوازي، فلما صرت إلى السكة وجدت رجلاً كبيراً قد وجّه إلى تلك الناحية ولم يكتف بما حمل عليه من الدواب، فأكريت منه ثماني دواب وخرجت على دابتين، أنا على دابة وغلامي على أخرى، ولم أزل في حشم المكتري حتى صرنا إلى أول العمل فإذا يحيى قد سبقني بالكتاب إلى سليمان أن رجلاً من حاله كيت وكيت وله عندي أيادٍ فاخترتك له فكن عند ظني بك في أمره وافعل به وافعل، قال: فوجه سليمان قائداً في جند عظيم لاستقبالي حتى إذا اتصل به دنوّي استقبلني في وجوه أهل البلد، فلما دنا منا بادر إلى الرجل المكتري مني ولم يشكّ أني هو وسأله، فأعلمه المكتري أنه فلان بن فلان، فقال سليمان: توهمتك فلاناً! قال: لست هو لكنه ذاك، وأشار إليّ، فأقبل سليمان ركضاً إليّ وتضاءلت منه حياء لرثاثة حالي، فسألني وأعلمني أنه وجه إليّ وكيله وحمل معه هدايا، فقلت: ما وصل ذلك إليّ، فلما نزلنا وحططنا في بعض تلك المنازل إذا وكيله قد وافى بهداياه وإذا دواب وبغال موقرة وتخوت وثياب، فدخلت البلد وقد حسنت حالي ووكّد عليّ في كتابه وليس عندي إلا إطلاق العمل لك، وهاهنا نشوى الكبرى ونشوى الصغرى وهما من أجلّ الأعمال بأرمينية ونواحيها وإن شئت أن تخرج إليها فاخرج وإن شئت فهاهنا من يبذل عنهما خمس مائة ألف درهم، قلت: لا والله أبقاك الله إلا الخمس المائة الألف عجّلها لي فأنصرف إلى أب شيخ كبير وعيال قد خلّفتهم ورائي، قال سليمان: ذاك إليك، فلما خرج سليمان سألت عن نشوى ونشوى قال فقيل مقاطعتهما خمس مائة ألف درهم ويصير إلى المقاطع مثلها، ثم لم ألبث من الغد أن أتى رسوله بالمال فخرجت وأهديت إلى يحيى هدايا كثيرة وألطافاً جليلة مما كان برّني به سليمان، فلما دخلت إليه تبسم لي وقال: إنا لم نوجهك لننتفع بك وإنما وجّهناك لتنتفع بنا وسيتصل معروفنا إليك فالزمنا، فكسبت تجاهه مع ما وصل إليّ منه ولم يزل يصلني به عشرين ألف ألف درهم.
اسم الکتاب : المحاسن والمساوئ المؤلف : البيهقي، إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 96