اسم الکتاب : المجموع اللفيف المؤلف : ابن هبة الله الجزء : 1 صفحة : 485
أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اختلج الشك فيّ مع الأول منهم، ومتى كانت هذه النظائر تقرن بي، فأسففت إذا أسفّوا [1] ، وطرت إذا طاروا، صبرا على طول المدة، وانقضاء المحنة، فمال رجل لضغنه [2] ، وأصغى آخر لصهره [3] ، من هن وهن، ثم قام ثالث القوم نافجا حضنيه [4] بين نثيلته [5] ومعتلفه، وأسرع معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتهت به بطنته [6] وأجهز عليه عمله، فما راعني من الناس إلا وهم رسل إليّ كعرف الضّبع [7] يسألونني أن أبايعهم، وانثالوا عليّ [8] ، حتى لقد وطي الحسنان، وشقّ عطفاي، فلما نهضت بالأمر، نكثت فرقة، ومرقت فرقة، وفسق آخرون، كأن لم يسمعوا الله جلّ ثناؤه يقول في كتابه العزيز: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
[9] ، بلى والله، لقد سمعوها، ولكن غرّتهم دنياهم، وراقهم زبرجها [10] ، والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة [11] ، لولا حضور النّصرة، ولزوم الحجّة، وما أخذ الله على أولياء الأمر من أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم [12] ، [1] أسفّ الطائر: دنا من الأرض، يريد أنه لم يخالفهم في شيء. [2] يريد سعد بن أبي وقاص. [3] أصغى: مال، يشير إلى عبد الرحمن بن عوف، وكان صهرا لعثمان بن عفان، لأن زوجته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، كانت أختا لعثمان من أمه. [4] نافجا: رافعا، حضنيه: الحضن ما بين الابط والكشح، يقال للمتكبر: جاءنا نافجا حضنيه، ويقال مثله لمن امتلأ بطنه طعاما. [5] في الأصل: (نثيكته) تحريفا. النثيل: الروث، أي لا همّ له إلا الأكل. [6] البطنة: التخمة والإسراف في الشبع. [7] عرف الضبع: ما كثر على عنقها من الشعر، وهو ثخين، يضرب به المثل في الكثرة والازدحام. [8] انثالوا عليّ: تتابعوا مزدحمين.
[9] القصص 83. [10] الزبرج: الزينة من وشي وجوهر. [11] برأ النسمة: خلق الروح. [12] كظة ظالم وسغب مظلوم: تخمة الظالم، وجوع المظلوم، أراد استئثار الظالم بالحقوق وهضم حق المظلوم.
اسم الکتاب : المجموع اللفيف المؤلف : ابن هبة الله الجزء : 1 صفحة : 485