اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 133
أحد قلميه من فوق صفحات الدُّرُوج[1]، كما تصهل الجياد من تحت أعواد السروج، فله احتفال المواطن والمجالس، وإليه غناء أصحاب العمائم والقلانس، لا كمن لا يجاوز همه طرفي ردائه، وإذا نودي لفضيلة قيل: إنما يسمع الحي بندائه، وكم في الناس من صور لا تجد لمعناها أثرًا، وإذا رأيتها قلت أرى خالًا[2] ولا أرى مطرًا، وأي جمال عند من ليس له إلا جمال ثيابه، وهل ينفع السيف الكهام[3] أن تجعل من الذهب حيلة قرابه، وكل من هؤلاء ذنبٌ يسعى بغير رأس، ولا له همٌّ إلا في عيشة الطاعم الكاسي, وإذا اعتبر حاله وجد من البهائم وإن كان من منسوبًا إلى الناس، والسيادة ليست في وشي الثياب، ولا في طيب الطعام والشراب، وإنما هي في شيئين: إما شهامة قَلَمٍ تفرق لها قلوب الغمود، أو شهامة رمح تفرق لها قلوب الأسود، وكأنِّي بقوم يسمعون هذا وكلهم يمتعض امتعاض المغضب، وتتابع نفسه تتابع المتعب، ويعترض الشجي في حلقه حتى يغص من غير أن يشرب، ولم يزل بالحساد من سيدنا داءٌ يورثهم أرقًا، ويُوسِعُهم شرقًا، وكثيرًا ما تعرق له جباههم, وكذا الميت يندى جبينه عرقًا، وما أرى لهؤلاء دواء إلا أن يطرحوا عن مناكبهم ثقل المساجلة، والحسد إنما يكون ممن يجري مع صاحبه في مضمار المماثلة، وكنت أحبّ أن يقام على الكتابة محتسب حتى يتفلَّس منها خلق كثير، وتستريح جياد كثيرة من ركوب حمير، وفي مثل هذا السوق يظهر أهل الخلابة والنجش[4]، وما منهم إلا من هو في الحضيض الأسفل وقد أجلس نفسه قائمة العرش، ونار الآلة العمرية تميز خالص النقود من زيفها، ولا حيف في هذا المقام على من أسرفت دعواه الكاذبة في حتفها". [1] الدروج جمع جرج بفتح الدال وسكون الراء، أو بفتحهما، ما يكتب فيه. [2] الخال سحاب لا مطر فيه. [3] السيف الكهام -على وزن سحاب- الكليل الذي لا غناء فيه. [4] النجش أن تواطئ رجلًا إذا أراد بيعًا أن تمدحه، أو أن يريد الإنسان أن يبيع بياعة فتساومه فيها بثمن كثير، لينظر إليك ناظر، فيقع فيها.
اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 133