responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 71
واعترضه ابن الأثير في المثل السائر فقال: إنّ الذي أنكره ابن سنان هو عين المعروف في هذه الصناعة، إنّ الذي أنكره منه هو الذي يشتهيه قلبي. وقال: إنّما قوله: إنّه يجب على الإنسان إذا خاض في علم أو تكلّم في صناعة أن يستعمل ألفاظ أهل ذلك العلم وأصحاب تلك الصناعة فهذا مسلّم لكنّه شذّ عنه أنّ سناعة المنظوم والمنثور مستهدفة من كلّ علم وكلّ صناعة، لأنّها موضوعة على الخوض في كلّ معنى وهذا لا ضابط له يضبطه، ولا حاصر له يحصره، فإذا أخذ مؤلّف الشعر أو الكلام المنثور في صوغ معنىً من المعاني وأدّاه ذلك إلى استعمال معنىً فقهي أو نحوي أو خيالي فليس له أن يتركه ويحيد عنه لأنّه من مقتضيات ذلك المعنى الذي قصده، ألا ترى إلى قول أبي تمام في الإعتذار:
فإن يك جرم عنَّ أوْ تكُ هفوة ... على خطإ منّي فوزري على عَمَد
فإنّ هذا أحسن ما يجيء في باب الإعتذار عن الذنب، وكان ينبغي له على ما ذكره ابن سنان أن يترك ذلك ولا يستعمله حيث فيه لفظتا الخطأ والعمد اللتان هما من أخصّ ألفاظ الفقهاء، وكذلك قول أبي الطيب المتنبّي:
ولقيت كلّ الفاضلين كأنّما ... ردّ الإله نفوسهم والأعصرا
نسقوا لنا علم الحساب مقدّما ... وأتى فذلك إذ أتيت مؤخّرا
وهذا من المعاني البديعة وما كان ينبغي لأبي الطيب أن يأتي في مثل هذا الموضع بلفظة فذلك التي هي من ألفاظ الحساب، بل كان يترك هذا المعنى الشريف الذي لا يتمّ إلاّ بتلك اللفظة موافقةً لابن سنان فيما رآه وذهب إليه، وهذا محض الخطأ وعين الغلط، إنتهى.
وأجاب ابن الأثير أيضاً عن البيت الأوّل الذي أنكره ابن سنان على أبي تمام بأنّه ليس منكراً لما استعمل فيه من لفظتي الجوهر والعرض اللتين هما من خصائص ألفاظ المتكلّمين، بل إنّه ركيك في نفسه لتضمّنه لفظة الشبه فإنّها عامية ركيكة وهي التي استخفّت في البيت، وعن البيت الثاني بأنّه ليس بمنكر وهل يشكّ في أنّ التشبيه الذي تضمّنه واقع في موقعه، ألا ترى بأنّ الفعل ينقل الإسم من حال إلى حال وكذلك الخمرة تفعل في العقول في تنقّل حالاتها.
رجعٌ إلى ذكر بقيّة أنواع التوجيه وأمثلتها: فمن ذلك التوجيه بقواعد النحو.
قال بعض المتأخّرين:
عوامل رزق أعملت لغة الردى ... فجسم له خفض ورأس له نصب
وقال أمين الدين علي السليماني:
أضيف الدجى معنىً إلى لون شعره ... فطال ولولا ذاك ما خصَّ بالجرّ
وحاجبه نون الوقاية ما وقت ... على شرطها فعل الجفون من الكسر
وكان بالعراق عاملان: أحدهما اسمه عمر، والآخر اسمه أحمد، فعزل عمر عن ولايته واستقرّ مكانه أحمد لمال قدّمه، فقال بعض الشعراء:
أيا عمر استعدَّ لغير هذا ... فأحمد في الولاية مطمئن
فإنّك فيك معرفة وعدل ... وأحمد فيه معرفة ووزن
ومثله قول ابن عنين فيمن عزل عن وظيفته وكانت سيرته غير مشكورة:
شكى ابن المؤيّد من عزله ... وذمّ الزمان وأبدى السفه
فقلت له لا تذمّ الزمان ... فتظلم أيّامه المنصفه
ولا تغضبنَّ إذا ما صرفت ... فلا عدل فيك ولا معرفه
ورشيق قول شرف الدين:
أتيت حانة خمّار وصاحبها ... محارف متقن للنحو ذو لسن
وحوله كلُّ هيفاء منعّمة ... وكلّ علق رشيق أهيف حسن
فقال لي إذ رأى عيني قد انصرفت ... إلى النساء كلام الحاذق الفطن
أنّث وركّب وصف واعدل بمعرفة ... واجمع وزد واسترح من عجمة وزن
وبديع قول الشهاب:
وإذا الثنية أشرقت وشمّمت من ... أرجائها أرجاً ونشر عبير
سل هضبها المنصوب أين حديثها ... المرفوع عن ذيل الصبا المجرور
وقول الصفي الحلّي في رياض الممطور:
إن جزت بالممطور مبتهجاً به ... ونظرت باطن دوحه الممطور
وأراك بالآصال خفق هوائه ال ... ممدود تحريك الهوى المقصور
سل بانّه المنصوب أين حديثه ... المرفوع عن ذيل الصبا المجرور
وظريف قول بعضهم:
عرّج بنا نحو طلول الحمى ... فلم تزل آهلة الأربع
حتّى نطيل اليوم وقفاً على ال ... ساكن أو عطفاً على الموضع
وقول أبي الفتح البستي:
عزلت ولم أذنب ولم أك خائناً ... وهذا لإنصاف الوزير خلاف

اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 71
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست