responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 60
ألا تراه كيف لمحه على أنّه لم يرض بإحصاء الملك الكاتب لفعله، بل جعله يندهش بدونه وهو بعضه فضلاً عن استطاعته كلّه.
هذا ولا بأس بتوشيح هذا المقام بذكر ما يؤثر من الأخبار عن بعض الكرام: قال معاوية لعرابة الأوسي: بم سدت قومك؟ قال: لست بسيّدهم ولكنّي رجل منهم. قال: عزمت عليك إلاّ أخبرتني. قال: أعطيت في نائبتهم، وحلمت عن سفيههم، وشددت على يدي حليمهم، فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن قصر عنّي فأنا أفضل منه، ومن جاوزني فهو أفضل منّي.
وكان هرم بن سنان المرّي قد آلى على نفسه أن لا يسلم عليه زهير بن أبي سلمى إلاّ وأعطاه غرّة من ماله؛ فرساً أو ناقة أو عبداً أو أمةً، فأضرّ ذلك بهرم وقدح في حاله، فجعل زهير يمرّ بالجماعة فيهم هرم فيقول: عموا صباحاً خلا هرم، وخيركم تركت.
وعن أبي عبيدة قال: مرّ حاتم الطائي ببلاد عنزة فناداه أسير في أيديهم: يا أبا سفانة! قتلني الأسار والقمّل، فقال له: ويحك والله لقد أسأت إذ نوّهت باسمي في غير بلاد قومي ومالك مع ذلك منزل، ثمّ نزل فشدّ نفسه مكانه في القيد ثمّ أطلقه فلم يزل في الأسر إلى أن عرف خبره ففداه أهله.
وقال الأعشى: أتيت سلام ذا فائش فأطلت المقام ببابه حتّى وصلت إليه بعد مدّة، فأنشدته:
إنّ محلاًّ وإنّ مرتحلا ... وإنّ في جود من مضى مثلا
إستأثر الله بالوفاء وبال ... عدل وولّى الملامة الرّجلا
والشعر قلّدته سلامة ذا ... فائش والشيء حيثما جعلا
فقال: صدقت، الشيء حيثما جعل، وأمر لي بمائة من الإبل، وكساني وأعطاني كرشاً مدبوغة مملوّة عنبراً فبعتها بثلاثمائة ناقة حمراء.
وقال أبو عمرو بن العلاء: قدم عبد القيس ابن خفاف البرجمي على حاتم بن عبد الله الطائي في دماء حملها، فقام ببعضها وعجز عن بعض، فقال: يا أبا سفانة إنّي حملت دماء عوّلت فيها على مالي وآمالي؛ فقدّمت مالي وكنت أكبر آمالي، فإن تحمّلتها فكم من حقّ قضيت وهمٍّ كفيت، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمّم يومك ولم أيأس من غدك، فحملها حاتم جميعها عنه، فأنشأ البرجمي يقول:
يعيش الندى ما عاش حاتم طيىء ... فإن مات قامت للسخاء ماتم
يفيد الذي فيه الغنا وكأنّه ... لتحقيره تلك العطيّة خادم
وقال النوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض وأغبر أُفق السماء وضنّت المراضع على أولادها وجلفت المال وأيقنّا بالهلاك، فوالله إنّا لفي ليلة صنبرة بعيدة مابين الطرفين وصبيتنا يتضوّرون من الجوع؛ عبد الله، وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيّين وقمت إلى الصبية فوالله ما سكنوا إلاّ بعد هدأة من الليل، فأقبل يعلّلني بالحديث فعلمت ما يريد، فتناومت، فلمّا توارت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت، فقال حاتم: من هذا؟ فقالت: جارتك فلانة أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معوَّلاً إلاّ عليك أبا عديّ، فقال: عجّلي بهم فقد أشبعك الله وإيّاهم، فمضت وجائت تحمل اثنين وتمشي خلفها أربعة كأنّها نعامة حولها رئالها، فقام حاتم إلى فرسه فوجأ لبّته ثمّ كشط جلده عنه ودفع المدية إلى المرأة وقال: شأنك، قالت النوار: فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل، وجعل يأتي الحي بيتاً بيتاً فيقول: هبوا أيّها النيام عليكم النّار، فاجتمعوا عليه والتفع هو بثوبه ناحية ينظر إلينا حتّى فرغنا ولم يذق منه مزعةً وإنّه لأجوع إليه منّا، فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلاّ عظم وحافر، فأنشأ يقول:
مهلاً نوار أقلي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
يرى البخيل سبيل الجواد واحدة ... إنّ الجود يرى في ماله سبلا
وذكر صاحب الأنيس والجليس: أنّه وقف رجل على باب خمارويه بن أحمد بن طولون سنةً كاملة لا يقدر على الوصول إليه، فأرق ذات ليلة خمارويه فقال لغلامه: أخرج وانظر من بالباب من الشعراء، فخرج فوجد ذلك الرجل الشاعر فأدخله، فلمّا مثل بين يديه وسلّم عليه قال: يا أخا العرب هات ما عندك، فقال: أيّها الملك، إنّ لي اليوم سنة كاملة لم أقدر على الدخول إليك وقد قلت فأكثرت، ومدحت فأطنبت غير أنّني جائني بالأمس كتاب من امرأتي من بغداد ورددت جوابه. فقال: وماذا كتبت إليك؟ وماذا رددت جوابها؟ فقال شعراً:
كتبت تبتغي الإياب وتوصي ... ني بتعجيله أشدّ وصيّه

اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست