اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 66
فرحته بالمطر على ما حوله من مظاهر الطبيعة فيجعل مكاكي الحواء غب المطر في نشوة غامرة كأنما "سقين سلافا من رحيق مفلفل"، ويدعو الباكون لموتاهم بأن يسقي الغيث قبورهم، ويسأل المحبون لديار أحبابهم أن يسقيها "صوب الربيع وديمة تهمي".
ومن أشد ما تقاسيه البادية العربية احتباس المطر، فمتى احتبس أصبحت غير صالحة للسكنى، فقد حل الجفاف "وما يتبعه من نفوق القطعان، وهلاك الرعاء"[1]، وأجدب البدو وضاقت أمامهم سبل الحياة، ولم يعد أمامهم إلا أن يرحلوا عن مواطنهم ينتجعون مواطن الكلأ والماء، حتى لقد يدفعهم الجدب إلى مغادرة البادية العربية كلها إلى تلال اليمن والشام أو إلى سهول النيل والفراتين[2]. وفي الأخبار القديمة أن بطونا من خزاعة "خرجوا جالين إلى مصر والشام لأنهم أجدبوا"[3]، وأن بني شيبان أصابتهم "سنة ذهبت بالأموال، فخرج رجل منهم بعياله حتى أنزلهم الحيرة، فقال لهم: كونوا قريبا من الملك يصبكن من خيره حتى أرجع إليكن، وآلى ألية لا يرجع حتى يكسبهن خيرا أو يموت"[4]، وقد يرفض بعض هؤلاء المهاجرين العودة إلى ديارهم بعد سقوط المطر وعودة الحياة إلى البادية، ضيقا بهذه البيئة المتقلبة، ورغبة في الاستقرار والحياة المطمئنة، ففي أخبار تلك البطون من خزاعة أنهم مضوا في هجراتهم، "حتى إذا كانوا ببعض الطريق رأوا البوارق خلفهم، وأدركهم من ذكر لهم كثرة الغيث والمطر وغزارته"، فرجع فريق منهم إلى أوطانهم واستمرت قلة في هجرتها[5]. وفي رأي بعض الباحثين أن السبب الأول في هجرة القبائل اليمنية إلى الشمال يرجع إلى تغير مناخي[6]، وأن [1] lammens; le berceau de i'islam, vol. i, P. 105. [2] semple; influences of geographic environment, P. 489. [3] الأغاني 13/ 6 "بولاق". [4] الأغاني 16/ 50. [5] انظر القصة في الأغاني 13/ 5-7 "بولاق". [6] سليمان حزين في مقالته الفرنسية المنشورة بمجلة كلية الآداب "المجلد الثالث=
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 66