اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 331
ذلك الدعاء الصادق الصادر من أعماق نفسه:
جزى الله خيرا عن خليع مطرد ... رجالا حموه آل عمرو بن خالد
وما له لا يدعو لهم وقد آووه، وعطفوا عليه، ونصروه بعزهم وشرفهم وبأبنائهم الأبطال الأمجاد:
وقد حدبت عمرو علي بعزها ... وأبنائها من كل أروع ماجد
وهو لهذا يُعلن على الملأ أن هؤلاء القوم الذين لجأ إليهم، إنما هم الأصحاب والأهل والثروة والنصر:
أولئك إخواني وجل عشيرتي ... وثروتهم والنصر غير المحارد1
بل إن أبا الطمحان يعلن أنه قد نسي أهله في جوار من استجار بهم بعد خلعه، وأصبح كأنه واحد منهم حتى لقد عرفت كلابهم ثيابه فما تهر عليه:
وقد عرفت كلابهم ثيابي ... كأني منهم ونسيت أهلي2
ولا ينسى الصعاليك الخلعاء خلع قبائلهم لهم حتى في آخر لحظات حياتهم، حين يمر بهم ماضيهم الحافل بالمغامرة والكفاح، فإذا قصة الخلع هي الحد الفاصل بين حياتين، والسر الأول في تلك الحياة القاسية التي عاشوها، والتي يودعونها في هذه اللحظات. هذا قيس بن الحدادية يقاتل أعداءه الذين تكاثروا عليه حتى قُتل وهو يرتجز ذاكرا أول ما يذكر قصة خلعه وبغض أهله له.
نا الذي تخلعه مواليه ... أوكلهم بعد الصفا قاليه
وكلهم يقسم لا يباليه3
وإذا كان الصعاليك الخلعاء والشذاذ قد صوروا في شعرهم هذه العقد النفسية التي كان منشؤها انقطاع الصلة بينهم وبين قبائلهم، فإن الصعاليك الأغربة لم يتحدثوا في شعرهم عن ظاهرة اللون التي كانت عقدة العقد في حياتهم، التي كانت سببا في انعدام التوافق الاجتماعي بينهم وبين قبائلهم، وفيما عدا
1 الأغاني 13/ 5 "بولاق" - المحارد: من حاردت الناقة إذا انقطعت ألبانها أو قلت.
2 الجاحظ: الحيوان [1]/ 380.
3 الأغاني 13/ 8 "بولاق". وابن حبيب: من نُسب إلى أمه من الشعراء/ [6].
الشَّنْرَي
...
3- الشنفرى:
إذا كان عروة يمثل الجانب الإنساني في حركة صعاليك العرب، فإن الشنفرى -ولا شك- يمثل الجانب الشيطاني فيها.
واسم الشنفرى، ونسبه، ونشأته الأولى، غامضة كل الغموض، فكل ما يعرف عن الجانبين الأولين أنه الشنفرى، وأنه كان من الإواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد[1]، وأن أباه كان في موضع من أهله ولكنه كان في قلة[2]، وأن أمه كانت سبية[3].
والشنفرى أحد أولئك الأغربة الذين رأينا أنهم كانوا يمدون حركة الصعلكة بجماعات كبيرة من الصعاليك، ويضعه صاحب لسان العرب نقلا عن ابن سيده عن ابن الأعرابي بين "أغربة العرب"[4]، وكذلك يفعل صاحب تاج العروس نقلا عن التهذيب والمحكم ولسان العرب[5]، ويضعه ابن الأعرابي في نوادره بين أغربة الجاهلية[6]، والشنفرى نفسه يصرح في بعض شعره بأنه "هجين"[7].
ولكن يبدو أن الشنفرى يأبى إلا أن يوقعنا في إشكال غامض، فإنه بعد بيت واحد من تصريحه هذا يعود فيصرح بأنه أمه "ابنة الأحرار"[8]، وهنا نقف لنتساءل: كيف يتفق التصريحان وبينهما هذا التناقض الظاهر؟ ونعود إلى أخبار الشنفرى في مصادرها المختلفة نسألها الإجابة عن هذا التساؤل، ولكنا لا نظفر مع الأسف بشيء، فإن رواة أخباره لم يقفوا عند هذا التناقض، ولم يقدموا لنا الوسائل التي تعيننا على هذه الإجابة؛ لأنهم لم يذكروا شيئا له قيمة عن أسرة الشنفرى، لا عن أبيه ولا عن أمه، حتى ليلاحظ الأستاذ [1] كذا في الإغاني 21/ 134، والذي في خزانة الأدب للبغدادي "2/ 16" الأواس بفتح الهمزة، والحجر بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، والهنء بتثليث الهاء وسكون النون وبعدها همزة، وهو الذي في ديوانه المطبوع/ 27. [2] ابن الأنباري: شرح المفضليات/ 198. [3] المصدر السابق/ 195. [4] انظر مادة "غرب". [5] مادة "غريب". ولكن الغريب أن يذكره هذان المصدران بين الأغربة الإسلاميين وهو خطأ فاحش، فكل مصادر حياة الشنفرى صريحة في أنه جاهلي، والأغرب من هذا أن ينقل ناشرو "الأغاني" بدار الكتب المصرية نص التاج في أحد هوامشهم "8/ 240" دون أية إشارة إلى ما فيه من خطأ. [6] السيوطي: المزهر 2/ 269. [7] الأغاني ج21 ص134 س20. [8] المصدر السابق ص134 س22.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 331