responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف    الجزء : 1  صفحة : 284
بالمغيب، ويحين موعد أوبة هذه الحمر إلى منازلها، فترى حمار الوحش يترك مرقبته، ويهيج أتنه التي تسرع أمامه مثيرة خلفها حبلا طويلا من الغبار الممتد، فيسرع خلفها وسط هذا الغبار، ولكن الأتن تحس خطرا يتربص بها، ذلك أن صيادا فقيرا رث الحال يحمل سهامه الزرق في انتظارها، فترهف الأتن السمع، حتى إذا ما تأكدت من هذا الخطر أسرعت في قوة وشدة، ويعترض طريقها ماء آجن يكسوه نبات طويل، فتلقي بنفسها فيه، وتفتح ما بين أيديها، وتنطلق سابحة، ولكن الصياد يرسل سهامه، فأما الأتن فتنجو لأنها متقدمة، وأما حمار الوحش فقد كان أقرب إلى الصياد منها، فيخترق فؤاده سهم ضخم عريض النصل.
وأظن أننا قد لاحظنا في هذه الصورة -إلى جانب استكمالها لكل عناصرها من الهيئة والمكان والزمان والحالة والفعل والنتيجة- حرصا على التفاصيل واهتماما بالجزيئات، وهو المظهر الرابع من مظاهر هذه الواقعية. فأبو خراش حريص على تسجيل حمل هذه الأتن وحذر حمار الوحش، ثم هذا الحبل من الغبار الذي يخترقه حمار الوحش خلف أتنه، ثم رثاثة حال الصياد، وشدة عدو الأتن بعد إحساسها بالخطر، وحركة أيديها وهي سابحة في الماء، وهذا النبات الطويل الذي يكسو صحفة الماء الآجن، ومركز حمار الوحش بين الأتن والصياد مما يسر إصابته ونجاتها.
وحين ننظر في تصوير الأعلم للضباع وجرائها نجد مثلا آخر لهذا المظهر، فالأعلم حريص على التفاصيل حرصا شديدا، معني بالجزئيات عناية قوية، لا ينسى حين يذكر الجراء انتفاخ بطونها، وقصر قوائمها، وسواد جلدها، وقصر آذانها العريضة التي تنبسط حين تقبل على فريستها في نهم فتنتزع جلدها نزع القيون لبطائن الجفون، ولا ينسى حين يذكر الضباع المسنة غلظها، وجواعرها الثماني، بل لا ينسى تلك الشعرات المجتمعة خلف أظلافها، ولا تلك الدوائر التي تشبه الخلاخيل التي تقع فويق هذه الشعرات، والتي يخالف لونها سائر لون الأرجل.

اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف    الجزء : 1  صفحة : 284
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست