اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 283
والنساء المتهكمات، والأغنياء المترفين والصعاليك المعوزين، كل هذه الجوانب من الحياة الواقعية هي الأسس التي قام عليها الشعراء الصعاليك بناءهم الفني.
والمظهر الثاني لهذه الواقعية صدق النقل عن الحياة. ومطابقة الصورة للأصل، بحيث لا يشعر الناظر في شعر الصعاليك باختلاف بين الصورة الشعرية وأصلها في الحياة، أو بين ما يراه في شعرهم وما يشاهده في الحياة، حتى ليخيل إليه أنه أمام مجموعة من الصور "الفوتوغرافية". وهل صورة الضباع وجرائها عند الأعلم[1]. وحمار الوحش وأتنه عند أبي خراش[2] إلا صور "فوتوغرافية" سجلتها "عدسات" الصعاليك لهذه النماذج من الطبيعة الحية؟ وهل صورة المرقبة عند الشنفرى[3]. وصورتها عند أبي خراش[4]، وصورة الشعب عند تأبط شرا[5]، وصورة البرق والرعد والسحاب والمطر عند صخر الغي[6]، إلا صور "فوتوغرافية" سجلتها "عدسات" الصعاليك لهذه الجانب من الطبيعة الصامتة؟
ومن مظاهر هذه الواقعية أيضا استكمال الصورة العامة، فحين ننظر مثلا في صورة حمار الوحش وأتنه عند أبي خراش نلاحظ أنها صورة واقعية كاملة استكملت كل عناصرها. بحيث نشعر بأننا أمام صورة طبيعية منقولة عن الواقع نقلا دقيقا كاملا. فحمار الوحش أقب خميص البطن، عنيف نشيط، وأتنه قد استبان حملها فهي متأبية عليه، والمكان فوق مرتفع من الأرض يشرف منه حمار الوحش على الآفاق خائفا يترقب، والزمان يوم شديد الحر من أيام الصيف الطويلة، ولكن المنظر يتغير حين تؤذن الشمس [1] شرح أشعار الهذليين 1/ 57، 58. [2] ديوان الهذليين القسم الثاني/ 117-121. [3] ديوانه في الطرائف الأدبية/ 37، 38، وديوانه المصور لوحة رقم 50، 51. [4] ديوان الهذليين القسم الثاني/ 159-161. [5] الأصمعيات/ 35. [6] شرح أشعار الهذليين 1/ 24-45.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 283