اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 25
هنا ليسوا هم أولئك الفقراء المعدمين الذين يقنعون بفقرهم، أو يستجدون الناس ما يسدون به رمقهم، وإنما هم أولئك المشاغبون المغيرون أبناء الليل الذين يسهرون لياليهم في النهب والسلب والإغارة بينما ينعم الخليون المترفون المسالمون بالنوم والراحة والهدوء. فالكلمة إذن قد خرجت من الدائرة اللغوية، دائرة الفقر، إلى دائرة أخرى أوسع منها هي دائرة الغزو والإغارة للنهب والسلب.
وفي أخبار امرئ القيس أنه غزا بني أسد ثائرا بأبيه، "وقد جمع جموعا من حمير وغيرهم من ذؤبان العرب وصعاليكها"[1]. ونتهم أنفسنا بالسذاجة لو تصورنا أمرأ القيس وقد خرج لثأر أبيه الملك يجمع جموعا من فقراء العرب المعدمين، فما أهمية الفقر في معركة من معارك الثأر؟ وما الذي يحمل امرأ القيس على أن يجمع حوله جموعا من الفقراء ليغزو بهم بني أسد؟ من الواضح أن هؤلاء الفقراء الذي استعان بهم امرؤ القيس في إدراك ثأره لا بد أن تكون حياتهم الاجتماعية قد تطورت تطورا خاصا جعلهم يصلحون للقيام بتلك المهمة الضخمة التي طلبهم إليها، وهو تطور نحس شيئا من سماته ومظاهره في هذا الربط بينهم وبين الذؤبان، فلا بد أن هؤلاء الفقراء كان بيهم وبين الذئاب تشابه في أسلوب الحياة أو أسلوب العيش أو طبيعة الشخصية.
ويشبه هذا ما ورد في أخبار عدي بن زيد من أن النعمان بن المنذر حبسه حتى مات، فأراد ابنه زيد أن يثأر له من النعمان، فدبر مكيدة يوغر بها صدر كسرى عليه حتى يقتله، وترامى خبر المكيدة إلى سمع النعمان، ففر من كسرى ولجأ إلى قبائل العرب، ولكن أحدا لم يجرؤ على إجارته، فقال له سيد من بني شيبان في حديث طويل معه: "فامض إلى صاحبك، فإما أن صفح عنك فعدت ملكا عزيزا، وإما أن أصابك فالموت خير لك من أن يتلعب بك صعاليك العرب، ويتخطفك ذئابها، وتأكل مالك"[2].
فمن الواضح أن الصعاليك هنا ليسوا هم الفقراء، ولكنهم طوائف من قطاع [1] البغدادي: خزانة الأدب 3/ 532. [2] الأغاني 2/ 126، والبغدادي: خزانة الأدب 1/ 185-186.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 25