اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 242
وتأخذ الصورة عند أبي خراش وضعا آخر، فهو لا يقنع باهتدائه في مجاهل الصحراء، بل يذكر في مجال فخره أنه يهدي رفاقه في الليالي المظلمة:
وإني لأهدى القوم في ليلة الدجى ... وأرمي إذا ما قيل هل من فتى يرمي1
ويتحدث الشعراء الصعاليك عن أماكن تشردهم في قلب الصحراء، وبعدها عن المناطق المأنوسة، وما يحيط بها من أهوال، وما يكتنف الطريق إليها من مخاوف.
يتحدث تأبط شرا عن شعب من شعاب الصحراء، في جهة نائية مهجورة، ضربت حوله الجبال نطاقا، حتى غدا الطريق إليه وعرا، وملأته الصخور، وتجمعت فيه آثار من مياه قديمة لا تُعرف مصادرها، ويفتخر بأنه اهتدى إليه دون دليل، ودون أن يسأل أحدا عنه:
وشعب كشل الثوب شكس طريقه ... مجامع صوحيه نطاق محاصر
به من سيول الصيف بيض أقرها ... جبار، لصم الصخر فيه قراقر
تبطنته بالقوم، لم يهدني له ... دليل، ولم يثبت لي النعت خابر
به سملات من مياه قديمة ... مواردها ما إن لهم مصادر2
ويتحدث الشنفرى عن واد بعيد في أعماق الصحراء ملتف الشجر، قد ألفته الجن والآساد، حتى بات يخشاه المغامرون الشجعان، وكيف أقدم في جرأة وشجاعة على السير فيه في وقت مبكر قبل أن يتطاير الندى عن أشجاره:
وواد بعيد العمق ضنك جماعه ... بواطنه للجن والأسد مألف
تعسفت منه بعد ما سقط الندى ... غماليل يخشى غيلها المتعسف3
وقد قلنا إنه نتيجة لهذا التشرد وردت في أشعار الصعاليك أحاديث كثيرة
1 ديوان الهذليين 2/ 131.
2 الأصمعيات 1/ 35. ويُروى البيت الثاني في لسان العرب مادة "جبر" "به من نجاء الصيف" - الشل: أن يصيب الثوب سواد ولا يذهب بغسله. الصوح: حائظ الوادي وأسفل الجبل أو وجهه القائم كأنه حائط. الجبار: السيل. السملة: الماء القليل.
3 الأغاني 21/ 141 - الغماليل: الروابي. والغيل: الشجر الكثير الملتف.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 242