اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 240
في ثلاثة: فأمواله تغنيه عن الناس من ناحية، وهو يعين بها الدعين إذا حلت بهم عظيمة من ناحية ثانية، ثم هو -من ناحية ثالثة- يعدها للأضياف والمعوزين في أيام الجدب والشدة التي لا يجد الناس فيها ما يطعمون به من بكرت بغلام، ولا تجد الأم شيئا تسكت به فطيمها عن البكاء والصراخ جوعا:
أحبشي إنا قد يُمتعنا الغنى ... بأموالنا نريحها ونسيمها
ونحبسها على العظائم نتقي ... بها دعوة الداعين، إنا نقيمها
إذا النفساء لم تخرس ببكرها ... غلاما، ولم يسكت بحتر فطيمها1
ويذكر صخر الغي أنه قتل رجلا من مزينة وسلبه ماله، ليقوي به مال رجل فقير كريم لا يكاد يثبت له مال:
في المزنى الذي حششت به ... مال ضريك تلاده نكد2
أحاديث التشرد:
قلنا إن هذه الحياة الواقفة في وجه المجتمع المتمردة عليه الخارجة على نظمه، كان من أثرها أن فقد المجتمع اطمئنانه إلى أصحابها، كما فقد هؤلاء طمأنينتهم فيه، وقلنا إن النتيجة الطبيعية لهذا كانت هي التشرد.
وقد تحدث الشعراء الصعاليك عن تشردهم في أرجاء الصحراء الموحشة، ووديانها المخيفة، وافتخروا باهتدائهم فيها دون دليل، أو قيامهم بمهمة الدليل لجماعة من رفاقهم، واتخذوا من هذا مادة للفخر بأنفسهم، أو لمدح رفاقهم الصعاليك. يفتخر تأبط شرا -في حديثه إلى امرأة خطبها فامتنعت عليه- بأنه لطول تشرده ألفته وحش الصحراء واطمأنت إليه، حتى لتوشك أن تصافحه لو أن وحشا تصافح إنسا:
يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه ... ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا
1 شرح أشعار الهذليين 1/ 67. و"بها" في البيت الثاني ساقطة، ولا يستقيم الوزن بدونها. لخرسة: طعام الولادة. والحتر: الشيء القليل.
2 المصدر السابق/ 13 - حششت به: قويت به. ضربك: فقير.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 240