اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 235
بقوة نفوسهم وصدق عزائمهم، ولكننا نلاحظ أن بين النظرتين فرقا في المجال: فأما الذين يشكون من الجوع فإنهم يتحدثون عن ذلك في مجال حديثهم عن مغامراتهم المتمردة، وأما الذين يتحدثون عن صبرهم عليه فإنهم يتحدثون عن ذلك في مجال حديثهم عن قوة نفوسهم.
ويقدم لنا أبو خراش صورة نبيلة لذلك الجوع. الذي يطيل حبسه حتى يمله فيمضي عنه دون أن يلحقه من عار، وهو يكتفي بالماء القراح في حين يستمتع البخلاء الأشجاء بزادهم، فإذا ما تلظى الجوع في بطنه فإنه يرده ويغلبه على أمره، وهو يؤثر عياله على نفسه بالطعام، وهو يفعل ذلك كله حتى يعيش حياة كريمة مترفعة لا تسقط إلى مهاوي المذلة والهوان والعار حيث يكون الموت خيرا من الحياة:
وإني لأثوي الجوع حتى يملني ... فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهي ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة ... وللموت خير من حياة على رغم1
ومن الطبيعي أن يتحدث الشعراء الصعاليك عن تلك السياط النفسية التي يصبها الفقر على نفوسهم، والتي تحدثنا عنها في الفصل الأول من الباب الأول.
وفي شعر عروة أحاديث طويلة عن هوان منزلة الصعاليك الاجتماعية، ومقامهم خلف أدبار البيوت، وسوء منظرهم في هذا المقام الذليل، وعن تلك الغضاضة التي يراها عليهم، وكيف يتوارون عن الناس، فلا يقيمون إلا حيث لا يراهم أحد، وعن ضيق أقاربهم حتى ليوشكوا أن ينكروا قرابتهم لهم:
رأيت بني لبني عليهم غضاضة
... بيوتهم وسط الحلول التكنف2
ذريتي أطوف في البلاد لعلني
... أخليك أو أغنيك عن سوء محضر
فإن فاز سهم للمنية لم أكن
... جزوعا، وهل عن ذاك من متأخر
1 ديوان الهذليين 2/ 127، 128، والأغاني 21/ 60 - المزلج: البخيل.
2 ديوانه/ 94.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 235