اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 178
"إن كان تقريظكم لي لأني عملت الشعر فما عملته والله، ولكنه للشنفرى تأبط شرا[1]، والله لو سمع الأصمعي بيتا من الشعر الذي كنت أنشدكموه ما أمسى أو يقوم به خطيبا على منبر البصرة فيتلف نفسي، فادعاء شعر لو أردت قول مثله ما تعذر عليَّ أهون عندي من أن يتصل بالسلطان فألحق باللطيف الخبير".
والخبر على هذه الصورة يحمل في ثناياه كذبه، فماذا يحمل خلفا على أن يدعي أمام الأصمعي أن هذه القصيدة له، ولا ينسبها صراحة إلى صاحبها؟ ثم كيف نتصور أن الأصمعي لم يكن يعرف هذه القصيدة لو كانت حقا للشنفرى أو غيره من الشعراء الجاهليين، وهو الذي يقرنه الأخفش بخلف الأحمر في العلم بالشعر، ويقول إنه لم يدرك أحد أعلم بالشعر منهما؟ [2] كيف نتصور أن خلفا يسيئ الظن بالأصمعي إلى هذا الحد الذي ينشده فيه قصيدة جاهلية، ويدعيها لنفسه، دون أن يظن أن الأصمعي قد يكون يرويها هو أيضا؟ ثم كيف نتصور أن هذه "الجماعة من أهل الأدب" المجتمعة لتتذاكر "أشعار العرب" -على حد تعبيرات القصة- قد خلت من واحد يعرف أن هذه القصيدة جاهلية؟ ثم أين سائر أفراد هذه "الجماعة من أهل الأدب" ولِمَ لَمْ يذكر واحد منهم غير العتبي هذا الخبر؟
أما أنا فأرجح ترجيحا شديدا أن العتبي راوي هذا الخبر هو مختلقه. ويؤيد هذا انفراده بروايته، وقوله إنه لم يبق من يعرفه غيره، وأنه تحدث به في مجلس له ورجل يقرأ عليه شعر الشنفرى، فلما وصل إلى هذه اللامية قال بعض من كان في المجلس: هذه القصيدة لخلف الأحمر، فضحك العتبي مستخفا به، ومضى يقص هذا الخبر. وهذا يجعلنا نرجح أن المسألة كانت تحديا بينه وبين بعض الحاضرين، وفي مثل هذا الموقف قد يعمد بعض الناس إلى الاختلاق. ثم قد يكون العتبي اختلق هذه القصة ليبرئ خلفا من [1] كذا في المخطوطة "ورقة رقم 252" وأظن أن صوابه "للشنفرى يرثي تأبط شرا". [2] ياقوت: معجم الأدباء 11/ 67.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 178