اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 137
أو يضيفوا إليها، إلى غير ذلك من الأعمال التي كانت تؤدي دائما إلى خراب المستدين واستعباده"[1]. وفي القرآن الكريم إشارة إلى ذلك إذ وقف من هذا التلاعب بالديوان موقفا رائعا صريحا نظم فيه الصلة بين الدائن والمدين تنظيما واضحا دقيقا، ووضع الشروط التي تضمن لكلا الطرفين حقه، في آيتين طويلتين من سورة البقرة[2]، وكانت هذه الديون تزداد يوما بعد يوم بما كان يضاف إليها من الربا الفاحش، مما كان يجعل محاولة سدادها أمرا ميئوسا منه، "ولهذا لم يكن وقتئذ أمل في التخلص من أولئك الظلمة بالطرق السلمية إلا فيما ندر، أما أكثر المدينين فإنهم كانوا مضطرين إما إلى الهرب إلى الصحراء، والالتحاق بطبقة المتشردين وقطاع الطرق، وإما أن يدخلوا في طبقة الأرقاء، ويقيموا فيها إلى ما شاء الله"[3].
ويرجع هذا إلى أن مكة كانت في الجاهلية -كما هي في الإسلام- حرما مقدسا "لا ظلم ولا بغي فيها"[4]، نظرا لوجود الكعبة فيها، هذا إلى جانب أنها مدينة لها نظامها الاجتماعي، ويقيم سكانها في منازل، فهي لهذا ليست بالميدان الصالح لحركات الصعاليك المتمردين. ومن هنا لم يجدوا مفرا من الخروج منها إلى البادية الواسعة حيث الحياة فوضى، ومجال العمل المتمرد متسع، وحيث طوائف المتشردين وقطاع الطرق وذؤبان الصحراء منتشرة، فإذا ما ضاقت بهم حياة التصعلك والتشرد، أو ضاقوا بها، أو رغبوا في الراحة منها إلى حين، فإن طريق العودة إلى مكة ميسر، فأبواب البلد الحرام مفتوحة لكل لاجئ أو خائف أو طريد، "من دخله كان آمنا، ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله"[5]. ومن هنا نستطيع أن نفهم السر في كثرة عدد الخلعاء من شتى القبائل فيها، واتخاذهم منها مركزا يلتقون فيه آمنين على حياتهم من الطلب، حتى إذا ما حانت ساعة العمل خرجوا منها إلى ميدان كفاحهم، وقد رأينا في الفصل السابق صورة لأولئك الخلعاء والفتاك الذين كانوا يجتمعون في مكة، حتى إذا ما احتاج إليهم ثائر لغزوة من الغزوات قدم إليهم فيها، وواعدهم في الحرم، ثم خرج بهم جنودا مرتزقة. [1] بندلي جوزي: من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام/ 19. [2] 282، 283. [3] بندلي جوزي: من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام/ 19، 20. [4] تاريخ الطبري 2/ 198. [5] ياقوت: معجم البلدان "مكة" 8/ 136.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 137