اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 136
الأبدي، فكانوا يعيشون في شعاب البلدة وأطرافها البعيدة، وفي بيوت حقيرة قذرة، وعيشة ضنك، وجوع مستمر، بينما كان الذين أثروا من أتعابهم يقيمون في وسط المدينة، في قصورهم الفخمة، بالقرب من الكعبة والنادي، أو دار الندوة، مصدرَي ثروتهم وسلطتهم"[1].
وكانت العلاقات بين هاتين الطبقتين: طبقة المالة وطبقة الصعاليك من السوء إلى حد بعيد، فقد كانت الطبقة الأولى مسيطرة على كل مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وقد رأينا أن حق التشريع كان في أيديهم. وإلى جانب هذا كانوا هم المسيطرين على الحياة الاقتصادية، فكانوا يعمدون أحيانا إلى التلاعب بالأسواق، أو المضاربة بالدراهم والدنانير والتبر والنقود الأجنبية، "فكانوا تارة يزيدون في وزنها أو قيمتها، وطورا يخفضون، تبعا لمصالحهم الشخصية وجريا وراء جشعهم المعهود"[2] مما كان يؤدي إلى اختلال التوازن الاقتصادي اختلالا كبيرا، يكون من نتائجه أن تصبح طبقة الصعاليك تحت رحمتهم، فيضطر أفرادها إلى الاستدانة إبقاء على حياتهم وهنا يعمد المتمولون إلى استغلال هذه الفرصة، فيقرضونهم ما يطلبون نظير فائدة فاحشة كانت تتراوح بين أربعين في المائة ومائة في المائة[3]. ويبدو أن عدد المرابين في مكة والمدينة كان كبيرا جدا، ومعروف أن القرآن الكريم في سوره المكية والمدينة حمل حملات شعواء على الربا والمرابين[4]. وإلى جانب هذا الربا الذي كانوا يأكلونه "أضعافا مضاعفة" كما يقول القرآن الكريم5 "وكانوا يتلاعبون بالديوان بأن يؤخروا آجالها، أو يقدموها. [1] بندلي جوزي: من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام/ 20، 21. [2] المصدر السابق/ 19. [3] المصدر السابق/ 18، وفي خزانة الأدب للبغدادي "1/ 345 سطر 11" "اقترض ثمانية آلاف درهم باثني عشر ألف"، وفي كتاب المغازي للواقدي "ص21" "مال مع قوم قراض على النصف". [4] البقرة/ 275، 276، 278، 279 وهي مدنية، وآل عمران/ 130 وهي مدينة أيضا، والنساء/ 161 وهي مدينة أيضا، والروم/ 39 وهي مكية.
5 آل عمران/ 130.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 136