اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 262
ولا تنكر لنفسك أن تزلّ، ولعقلك أن يهفو؛ فقد زلّ آدم عليه اللام وهفا، وعصى ربَّه وغوى، وغرّهُ عدوُّه وخدعه خصمه، وعيب باختلال عزمه وسكون قلبه إلى خلاف ثقته. هذا وقد خلقه الله بيده، وأسكنه في دار أمنه، وأسجد له ملائكته، ورفع فوق العالمين درجته، وعلَّمه جميع الأسماء بجميع المعاني. ولا يجوز أن يعلِّمه الاسم ويدع المعنى، ويعلِّمه الدلالة ولا يضع له المدلول عليه. والاسم بلا معنىً لغوٌ، كالظَّرف الخالي. والأسماء في معنى الأبدان والمعاني في معنى الأرواح. اللفظ للمعنى بدنٌ، والمعنى للَّفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معانٍ كمن وهب شيئاً جامداً لا حركة له، وشيئاً لا حس فيه، وشيئاً لا منفعة عنده.
ولا يكون اللفظ اسماً إلا وهو مضمَّن بمعنى، وقد يكون المعنى ولا اسم له، ولا يكون اسمٌ إلا وله معنىً.
في قوله جلّ ذكره: " وعَلَّمَ آدم الأسماء كلها " إخبارٌ أنه قد علَّمه المعاني كلها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطُّعوم والأراييح، وتضاعيف الأعداء التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار المصلحة ونهاية الرسم اسمٌ إلا أن تدخله في باب العلم فتقول: شيء، ومعنىً.
الأسماء التي تدور بين الناس إنما وُضعتْ علاماتٍ لخصائص الحالات،
اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 262