اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 252
بدّاً من الصبر على ما يُحرقه ويعميه، أو الترك للقراءة فيها والتعرُّض لها. فخيّرتني بين العمي والجهل. وما فيهما حظٌّ لمختار.
وقلت: إذا سخن بدنه سُجِن بوله، وإذا سُجِن بوله جرح مثانته وأحرق كليته، وطبخ فضول غذائه، وجفف ما فضل عن استمرائه فأحاله حصىً قاتلاً وصخراً جامداً، وهو دقيق القضيب ضيق الإحليل، فإذا حصاه يورثه الأسر، وفي ذلك الأسر تلف النفس أو غاية التعذيب.
وقلت: فإن ابتليت بطول عمره أقام فينا مشغولاً بنفسه، وإن ذهب عنّا فقد كفانا مؤونة الحيلة في أمره.
جعلت فداك، ما هذا الاستقصاء وما هذا البلاء؟! وما هذا التتبّع لغوامض المسألة، والتعرّض لدقائق المكروه؟! وما هذا التغلغل في كل شيءٍ يخمل ذكرى؟! وما هذا الترقّي إلى كلِّ ما يحطُّ من قدريّ؟! وما عليك أن تكون كتبي كلها من الورق الصينيّ، ومن الكاغد الخرسانيّ؟!
قل لي: لمَ زينت النسخ في الجلود، ولمَ حثثتني على الأدم، وأنت تعلم أنَّ الجلود جافية الحجم، ثقيلة الوزن، إن أصابها الماء بطلت، وإن كان يوم لثقٍ استرخت. ولو لم يكن فيها إلاَّ أنها تبغّض إلى أربابها نزول الغيث، وتكرَّه إلى مالكيها الحيا، لكان في ذلك ما كفى ومنع منها.
اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 252