اسم الکتاب : الرسائل الأدبية المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 470
فاجهل جهدك ثم أجهد جهدك، ولا أبقى الله عليك إن أبقيت، ولا عفا عنك إن عفوت، وأقول كما قال أخو بني منقر:
فما بقيا عليّ تركتماني ... ولكن خفتما صرد النّبال
والله لئن رميتني ببجيلة لأرمينك بكنانة، ولئن نهضت بصالح بن علي لأنهضن بأحمد بن خلف وباسماعيل بن علي، ولئن صلت عليّ بسليمان بن وهب لأدمغنك بالحسن بن وهب، ولئن تهت علي بمنادمة جعفر الخياط لأتيهن عليك بحسة وهب الدلال! وأنا أرى لك أن تقبل العافية وترغب الى الله تعالى في طول السلامة، واحذر البغي فان مصرعه وخيم، واتق الظلم فان مرعاه وبيل، وإياك أن نتعرض لجرير إذا هجا، وللفرزدق إذا فخر، ولهرثمة إذا دبر ولقيس بن زهير إذا مكر، وللأغلب إذا كر. ولطاهر إذا صال، ومن عرف قدره عرف قدر خصمه، ومن جهل قدر نفسه لم يعرف قدر غيره.
وقد رعيت لك حق نبيذك وحسن شرابك وإن كان فوق العيوق ودونه بيض الأنوق، وحق توتيائك وإن بعثت به ممزوجا فكيف لو بعثت به خالصا.
وعليك بالجد فانه خير لك، ودع البيات فانه أمثل بك، فأنت والله يا أخي تعلم علم الاضطرار وعلم الاختيار وعلم الإخبار أني أشد منك عقلا، وأظهر منك حزما وألطف كيدا، وأكثر علما، وأوزن حلما وأخف روحا، وأكرم عينا، وأقل غشا، وأجل قدا وأبعد غورا، وأجمل وجها، وأنصع ظرفا، وأكثر ملحا، وأنطق لسانا، وأحسن بيانا وأجهر جهارة، وأحسن إشارة. وأنت رجل تشدو من العلم وتنتف من الأخبار، وتموه نفسك، وتغر من قدرك، وتتهيأ بالثياب، وتتنبل بالمراكب، وتتحبب بحسن اللقاء. ليس عندك إلا ذلك. فلم تزاحم البحار بالجداول، والأجسام بالأعراض، وما لا يتناهى بالجزء الذي لا يتجزأ..!؟
اسم الکتاب : الرسائل الأدبية المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 470