اسم الکتاب : الرسائل الأدبية المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 448
الوحش، وكلحم النسر لمن أكله، ولحم الحية لمن استحله، فإن كان هذا الأمر حقا وكان هذا العلاج نافعا وكنت له مستعملا وفيه متقدما وتراه رأيا وإن كنت عنه غنيا، أخذنا منه بنصيب وتعلقنا منه بسبب. وكيف لي بذلك وأنا صغير الأذن وأذنك أذن أبي سهيل، وأنا دقيق العنق وعنقك عنق قاسم التمار، وأنا صغير الرأس ورأسك رأس جالوت، وفيك أمران غريبان وشاهدان بديعان: جواز الكون والفساد عليك، وتعاور النقصان والزيادة إياك. جوهرك فلكي وتركيبك أرضي، ففيك طول البقاء ومعك دليل الفناء. فأنت علة للمتضاد وسبب للمتنافي. وما ظنك بخلق لا تضره الإحالة ولا يفسده التناقض..!؟
جعلت فداك ما لقي منك الذهب، وأي بلاء دخل بك على الخمر، كانا يتيهان بطول العمر ويبهجان ببقاء الحسن وبأن الدهر يحدث لهما الجدّة إذا أحدث لجميع الأشياء الخلوقة، فلما أربى حسنك على حسنهما وعمر طول عمرك أعمارهما ذلا بعد العز وهانا بعد الكرامة، ومالي فيك قول إلا قول الاعرابي حين ضل الطريق في الظلمة فلما عرف قصده عند طلوع القمر رفع رأسه شاكرا وهو يقول: ما أقول! أقول رفعك الله وقد رفعك، أم أقول جملك الله وقد جملك، أم أقول عمرك الله وقد عمرك؟ .. ولكن أقول:
وهل أنطق إن نطقت إلا رجيعا، وأقول ما قلت إلا لغوا. وقد زعم ناس ممن ينتحل الاعتبار ويتعاطى الحكمة ويطلب أسرار الأمور أنه ليس شيء مما يساكن الانسان في منزله وربعه وفي داره وموضع منقلبه إلا والانسان يفضله في طول العمر وفي البقاء على وجه الدهر، كالحمام والدجاج والسنانير والكلاب والبقر والغنم والحمير والخيل والجواميس والابل. وزعموا أن أقصرها أعمارا العصافير، وأن أطولها أعمارا البغال، وأن العلة في طول بقاء البغل قلة السفاد، وفي قصر عمر العصافير كثرة السفاد. وأن مما يقضي بهذه العلة ويثبت هذه القضية ما يعم الخصيان من طول العمر، ويعم الفحولة من قصر
اسم الکتاب : الرسائل الأدبية المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 448