responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 281
فَقَالَت الظريفة: قتلته قَتلك اللَّه، فَقَالَت ميٌّ: خَفْ عواقب اللَّه يَا غيلَان، ثُمّ أتيتُ عَلَى الشّعْر حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى قَوْله:
إِذا راجَعَتْكَ القولَ ميَّةُ أَوْ بدا ... لَك الوجهُ مِنْهَا أَوْ نَصَا الدِّرعَ سَالِبُهُ
فيا لَك من جُدٍّ أسيلٍ ومنطق ... رخيم وَمن خلقٍ تعلل جادبه
فَقَالَت: تِلْكَ الظريفة: هَا هَذِهِ وَهَذَا القَوْل قد رَاجَعتك، تُرِيدُ واجهتها فَمن لَك أَن يَنضو الدرْع سالبه، فالتفتت إِلَيْهَا مية، فَقَالَت: قَاتلك اللَّه مَا أعظم مَا تجيئين بِهِ، فتحدثنا سَاعَة ثُمّ قَالَت الظريفة للنِّسَاء: إِن لَهما شَأْن فقمن بِنَا، فقمن وَقمت معن فَجَلَست بِحَيْثُ أراهما، فَجعلت ميةُ تَقول لَهُ: كذبت، فَلَبثت طَويلا ثُمّ أَتَانِي وَمَعَهُ قارورةٌ فِيهَا دهن، قَالَ: هَذَا دهنُ طيبٍ أتحفتنا بِهِ مية، وَهَذِه قِلادة للجُؤذُر، واللَّه لَا أَخْرجتُها من يَدي أبدا، فَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهَا حَتَّى إِذا انقصى الربيعُ ودعا النّاس الصَّيف أَتَانِي، فَقَالَ: يَا عصمَة! قَدْ رحلت ميُّ فَلم يبْق إِلا الرَّبْعُ والْآثَار، فَاذْهَبْ بِنَا نَنْظُر إِلَى آثَارهم، فخرجنا حَتَّى انتهينا فَوقف، وقَالَ:
أَلا يَا اسْلَمي يَا دَارَ ميٍ عَلَى البلَى ... وَلا زَال مُنْهَلًّا بجرْ عائِك القطْرُ
وَإِن لَم تَكُوني غَيْر شامٍ بقفرةٍ ... تجرُّ بهَا الأذْيال صيفيةٌ كُدْرُ
فَقلت لَهُ: مَا بالُك، فَقَالَ لي: يَا عصمَة إِنِّي لجَلْد، وَإِن كَانَ مني مَا ترى فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.
وَالْخَبَر عَلَى لفظ أَبِي عَبْد اللَّه. قَالَ: وَحدثت عَنِ ابْن أَبِي عَدِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا الرُّمة يَقُولُ: بلغت نصف عُمَر الهَرِم أَرْبَعِينَ سنة، وقَالَ ذُو الرمة:
عَلَى حِين راهقتُ الثَّلَاثِينَ وارعوتْ ... لِدَاتي وَكَانَ الحلمُ بِالْجَهْلِ يرجح
إِذا خطرت من ذككر ميَّةَ خطرةٌ ... عَلَى الْقلب كَادَت فِي فُؤَادك تجرحُ
تصرَّفُ أهواء الْقُلُوب وَلا أرى ... نصيبَك من قلبِي لغيرك يُمْنَحُ
وبعضُ الْهوى بالهجر يُمحى فيمَّحى ... وحُبُّك عِنْدِي يَسْتَجدُّ ويَرْبَحُ
وَلما شكوتُ الْحبّ كَيْمَا تثيبني ... بوجْدِيَ قَالَتْ إِنَّمَا أَنْت تمزح
بعادًا وإدلالا عَليّ وَقَدْ رأتْ ... ضمير الْهوى قَدْ كَاد بالجسم يبرحُ
لَئِن كَانَت الدُّنْيَا عَليّ كَمَا أرى ... تباريح من ذكراك لَلْمَوتُ أرْوَحُ
ويروى تباريح من مي فللموت أروح قَالَ القَاضِي: وَهَذِه القصيدة من قصائد ذِي الرمة الطوَال الْمَشْهُورَة المستحسنة وأولها:
أمنزلتي مي سلامٌ عَلَيْكُمَا ... على النأي والنائي يود وَينْصَح

اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 281
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست