فمن لحزينٍ مستهامٍ أذابه ... وفرده مولاه بالذل والصغر
الباب الرابع
في الأشعار المتضمنة للمواعظ الرقيقة
حياتك لي فيها حياة وعزة ... فعش سالماً وقيت من حادث الدهر
تواثر أنفاس الكئيب تذيبه ... ولاسيما أن ريع بالصد والهجر
ورب حزينٍ لا تعد شكاته ... إذا ظل يشكو ما لقيه من الضر
يبوح بما قد كان يخفى فكل ما ... شكا زاد من يهواه في التيه والكبر
فيبدي خضوعاً لا يعد الذي مضى ... من الذل ذلاً بل يراه من الفخر
فيا من لمحزونٍ كئيبٍ متيمٍ ... له نفس قد زاد وقداً على الجمر
يسح دموعاً لا تنسي انهمالها ... فراصه منها الدوام على القطر
فأحزانه في كل يومٍ جديدةٍ ... قد انتقصت منه الحياة وما يدري
فيا من أذاب الصب دأبك هجره ... وماذا به إلا الدموع التي تجري
فبالحب دع هجري وهب لتذللي ... على فاقتي جزءاً من الوصل يا ذخري
ومن ذلك:
سأشكو الذي بي منك يا أحسن البشر ... ومن تخجل الشمس المنيرة والقمر
ومن علمت أن اللباس يزينني ... فألبست الجسم الصبابة والضرر
فديتك قد ألبستني ثوب ذلةٍ ... وأغربت بالأجفان يا سؤلي النظر
ومن ذلك:
حتى متى أنا في همٍ وفي كرب ... وأنت في غطةٍ باللهو واللعب
مالي سبيلٌ إلى صبرٍ فأعرف ما ... ألقاه من شدة الآلام والوصب
لا وأخذ الله من يرضيه سفك دمي ... لا عذب الله من يجفو بلا سبب
لو أن أنفسنا في الحب واحدةً ... لكان يرضيه أن أبرى من العطب
لكننا كلنا صبٌ بغصته ... قد لف في كفن الأحزان والحرب
أيقنت بالموت إذ زفت ركائب من ... في بيتها جمعها قلبي مع الكرب
فالقلب مرتهنٌ من كف من سفكت ... دم المتيم لما جد في الطلب
في كل يومٍ بقلبي من لواحظها ... صدع مقيم لجنبي غير منشعب
يا بؤس نفسٍ تمنت يوم ميتتها مما يقاسيه من كربٍ ومن نضب
مازلت عند اجتماع الشمل ذا حذرٍ ... من الشتات فلم أنفك من تعب
ومن ذلك:
وقال أناسٌ صد مولاك واشتفى ... وقد كان يا مسكين في قربه شفا
فقلت متى يحيى فؤادي بمخبرٍ ... يخبر أن قد رضى بعد ما جفا
فلو قد رأى ما بي لجاد لصاد ... وإذا قال لا أصغي إلى عاذلٍ وفا
وكان معاذاً لي من الصد والجفا ... عفا الله عمى. ودأبه عفا
إذا قلت وا شوقاه قال بغلظةٍ ... على غضبٍ والله ما بك من جفا
أعاذل دعني لست أصغي إلى الذي ... يلوم إذا أبدأ ملاماً وعنفا
إذا قيل من أبكاك قلت بزفرةٍ ... حبيب، لطيب النوم عن مقلتي نفا
ومن ذلك:
كتب المحب بدمعه ... ما ليس يقرأه سواه
ماذا على ذي لوعةٍ ... أبدى صبابته بكاه
رثت البرية كلها ... لمتيمٍ بادٍ ضناه
ودعت بجهدٍ ربها ... في أن يخفف من بلاه
رام الدواء لدائه ... فالناس أعوزهم دواه
فالصب بين مخافةٍ ... للحب خالطها رجاه
ومؤخرٍ ومقدمٍ شكو ... ى هواه إلى عداه
ومخلفٌ يوم الرحيل ... فؤاده بيدي مناه
ومن ذلك:
الله في قلبي المروع ... قد جئت إليك فاسمع
قد غير الهجر حسن تبصري ... وأنت لي يا فضيل مقرع
قد شرد النوم عن جفوني ... كن سائلاً ما عساه يصنع
يا عذولي هداك ربي ... لم يسل قلبي فلمه أودع
ثراك في أن يفيض دمعي ... عشية البين ويك تطمع
لمني فلم يسأل قلب صبٍ ... عرفه الحب كيف يخضع
لا وأخذ الله من رأى ... فقال كم تشتكي وتضرع
فظلت أدعو بذله ... يا سبحان من للملاحة أبدع
ومن ذلك:
ولق قال عاذلي إذ رآني ... ودموعي منهلة بانسجام
أي عون على حبيبك إذ صد ... فناديته بغير احتشام
أنت يا ابن الكرام عوني فلا زلت خلياً من لوعتي وغرامي
أنا عبدٌ لمن أطال عذابي ... وجفاني ظلماً بغير اجترام
أشهد الله أنني لست أصبو ... لعذولٍ فيه أطال ملامي
لقد استدعوا الأيام بلومي ... سفهاً عرواً بفعل الآثام