اسم الکتاب : البديع في وصف الربيع المؤلف : الحميري، أبو الوليد الجزء : 1 صفحة : 32
قال أبو الوليد: وبعث إلي صاحب الشرطة أبو الوليد بن العثماني مطيب خيري مبكر، وكتب معه قطعة نثر مقتطعة من السحر، وهي بعد صدرها: "بعثت بخيري جاز حد التبكير بأنسه، فحاز قصب السبق في أبناء جنسه، منظره أربى على المسك بنضرته، ومخبره قصر عن شيمك على بسطته. فاقبله بحق المجد عليك، ووسائل الحمد إليك، بهجا منظره، أرجا مخبره، إذا دنا الظلام ونام الأنام إلا من استدعى عرفه، واستجدى عرفه" فجاوبته، والجواب بعد صدره: "فلما تعاهدت خيريك عهاد شيمك، ودامت عليه ديم كرمك، بكر متنعما منها، متنفسا عنها، ولا ند له إلا الند، ولا مسك له إلا المسك، وقد قبضته مشغوفا به مستلذا بقربه، متعجبا من حسن اختياره لاستتاره باستهتاره تحت جناح الظلام ليسلم من الجناح والملام. وقد صنعت فيه أبياتا بديهية متأخرة، فأغض على ما فيها محسنا إلى مهديها. وهي: [السريع]
نهار خيريك في ليله ... كذلك الليل نهار الأديب
ينم فيه وينام الضحى ... تصاونا عن كل أمر معيب
كأنما الليل حبيب له ... فهو إذا حل اكتسى كل طيب
كأنما الصبح رقيب له ... فيرعوي عند طلوع الرقيب
الند: المثل. والند: الطيب. والمسك: الجلد. قال أبو الوليد: أكثر ما وصف من الخيري هذا النمام، وقلما ما وصف الأصفر وأنا ذاكر ما وقع [إلي] فيه:
الخيري الأصفر
من ذلك قول أبي عمر القسطلي: [السريع]
أعاره النرجس من لونه ... تفضلا وازداد من طيبه
وناسب النمام لما انتهى ... إلى اسمه الأدنى وتركيبه
وما يجري واحدا منهما ... إلا كبا في حين تقريبه
وأحسن من هذا قول الفقيه أبي الحسن بن علي وهو: [السريع]
كأنما الخيري مستهتر ... بالحب قد أنحله العشق
صفرته تنطق عن حاله ... ورب حال دونها النطق
أعاره المزن رداء الندى ... وصفرة المتشح البرق
ما أوجه اللذات محجوبة ... إذا تبدى وجهه الطلق
وحين أحضرنا ما في الخيري الأزهر، نبدأ بالنرجس الأصفر
النرجس الأصفر
قال الوزير أبو مروان عبد الملك بن جهور_رحمه الله_يصفه فأبدع وأعجب وأحسن وأغرب أنشدنيه له حفيده عبد الله، وهو: [البسيط]
اصفر حتى كأن الإلف يهجره ... وطاب حتى كأن المسك ينثره
واخضر أسفله من تحت أصفره ... فراق منظره الباهي ومخبره
يا نرجسا ظل قدامي تنم له ... ريح تذكرني شوقي فأذكره
زمرد ماثل من فوقه ذهب ... معين، نابه منه ومحجره
هيجت لي شجنا قد كان فارقني ... ذكرتني بالذي ما زلت أؤثره
وكتب الوزير الكاتب أبو مروان بن الجزيري إلى المنصور أبي عامر_رحمهما الله_عن نرجس العامرية في أول يوم من كانون الآخر سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة [فأبدع واخترع] وهو: [الكامل]
حيتك يا قمر العلا والمجلس ... أزكى تحيتها عيون النرجس
زهرا تريك بشكلها وبلونها ... زهر النجوم الجاريات الكنس
طلعت مطالعها على مخضرة ... من سوقها كسيت برود السندس
فتزينت حسنا أتم تزين ... وتنفست طيبا ألذ تنفس
وملكن أفئدة الندامى كلما ... دارت بمجلسهم مدار الأكؤس
ملك الهمام العامري محمد ... للمكرمات وللنهى والأنفس
لبس الزمان وأهله من عهده ... وفعاله المشكور أكرم ملبس
فإذا ذهبت إلى الثناء فقفه من ... بين الأنام على علاه واحبس
ولأبي عمر القسطلي فيه قطعة بديعة تضمنت أوصافا رفيعة، موصولة بمدح المظفر بن أبي عامر، وهي: [الكامل]
شكلان من راح وروضة نرجس ... يتنازعان الشبه وسط المجلس
متباهين تلونا بتلون ... متباريين تنفسا بتنفس
فكأنها من حد سيفك تلتظي ... وكأنه من طيب خلقك يكتسي
يا من علا من رتبة في رتبة ... حتى غدا وسط النجوم الخنس
وابن الذين هداهم ونهاهم ... أدب الملوك وأسوة للمؤتسي
ومن أنفس ما ملح به في النرجس قطعة للوزير الكاتب أبي الأصبغ بن عبد العزيز صنعها بديهة بين يدي ذي الوزارتين أبي عمرو عباد_أطال الله بقاءه وأدام اعتلاءه_وكان يلبس ثوبا رفيع القدر، نرجسي اللون وهي: [السريع]
رأيت عبادا له ملبس ... في حشوه الجود معا والكرم
اسم الکتاب : البديع في وصف الربيع المؤلف : الحميري، أبو الوليد الجزء : 1 صفحة : 32