فدلّ هذا على أن جمهرة المحققين من النحاة على أنه إذا استوت الكلمتان في التصرف كانت إحداهما لغة في الأخرى وليست مقلوبة عنها كما هو الحال في جبذ وجذب.
7-كيف يستدل على صحة القلب؟
يُفهم مما ذكر أن في الحكم على (جذب وجبذ) مذهبين:
الأول: أنه مثال للقلب وأن جذب هو الأصل فهو المقلوب عنه، وجبذ هو الفرع فهو المقلوب، وعليه صاحب الصحاح. قال الجوهري: (الجذب المدّ، يقال جذبه وجبذه على القلب) . فإذا صحَّ هذا ثبتت أصلية (الجذب) وانتفى (الجبذ) بناء أصلياً. قال صاحب المقاييس (الجيم والباء والذال، ليس أصلاً لأنه كلمة واحدة مقلوبة، يقال جبذت الشيء: جذبته) .
والثاني: أنهما أصلان وليس أحدهما مقلوباً عن الآخر. فإذا صحَّ هذا ثبتت أصلية (الجذب) و (الجبذ) ، وعليه ابن جني، وقد استدل على ذلك بأن العرب قد تصرفت فيهما تصرفاً واحداً. وأخذ بهذا كثيرون، وعليه جمهرة النحاة. وفي التهذيب أن الجبذ لغة تميم.
وأنت ترى مما تقدم أن الأئمة لم يعولوا في الحكم هاهنا على (المعنى) ولم يتطرقوا إليه. ولست أجازف في القول إذا عجت بـ (المعنى) فاتخذته معياراً يقتاس به.
وإني لأذكر ما قاله أبو حيان التوحيدي في كتابه (البصائر والذخائر – 1/175) حول تعويل النحاة في تحقيق مسائلهم على المعنى. قال أبو حيان: (سمعت شيخاً من النحويين يقول المعاني هي الهاجسة في النفوس المتصلة بالخواطر والألفاظ ترجمة للمعاني. فكل ما صحّ معناه صحّ اللفظ به، وما بطل معناه بطل اللفظ به) .