قال ابن جني: (ومن المقلوب: امضحل وهو مقلوب من اضمحل، ألا ترى أن المصدر إنما هو على اضمحل، وهو الاضمحلال، ولا يقولون: الامضحلال. وكذلك قولهم: اكفهرّ واكرهف، فالثاني مقلوب عن الأول لأن التصرف وقع على اكفهر ومصدره الاكفهرار، ولم يمرر بنا الاكرهفاف) .
فإذا تصرف اللفظان تصرفاً واحداً فقد قضوا بأنهما أصلان، وليس أحدهما مقلوباً عن الآخر، وهو ما عنيناه بقولنا إنه جاء على هيئة المقلوب وليس هو بالمقلوب. قال ابن جني (1/246) : (فمما تركيباه أصلان لا قلب فيهما قولهم جذب وجبذ، وليس أحدهما مقلوباً عن صاحبه، وذلك أنهما جميعاً يتصرفان تصرفاً واحداً نحو: جذب يجذب جذباً فهو جاذب، والمفعول مجذوب. وجبذ يجبذ جبذاً فهو جابذ والمفعول مجبوذ) وأردف: (فإن جعلنا مع هذا أحدهما أصلاً لصاحبه فسد ذلك لأنك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من الآخر. فإذا وقفت الحال بينهما ولم يؤثر بالمزية أحدهما وجب أن يتوازيا) .
وجاء في هامش الصحاح: (وأما ما يسميه الكوفيون نحو جبذ وجذب فليس هو بقلب عند البصريين، وإنما هو لغتان. وقال السخاوي في شرح المفصل: إذا قلبوا لم يجعلوا للفرع مصدراً لئلا يلتبس نحو يئس يأساً وأيس مقلوب منه، ولا مصدر له، وإذا وجد المصدران حكم النحويون بأن كل واحد من الفعلين أصل، وليس مقلوباً عن الآخر نحو جبذ وجذب. وأهل اللغة يقولون إن ذلك كله مقلوب) .
وقد أجمل التهانويّ صاحب (كشاف اصطلاحات الفنون) كلام الأئمة في ذلك (2/1171) فقال: (ويطلق القلب عندهم على تقديم بعض حروف الكلمة على بعض، ويسمى قلباً مكانياً، نحو آرام فإن أصله أر آم، كما في الشافية وشرحها للرضي، وعلامة صحة لقلب المكاني أن يكون تصاريف الأصل تامة بأن يصاغ منه فعل ومصدر وصفة، ويكون الآخر ليس كذلك، فيُعلم من عدم تكميل تصاريفه أنه ليس بناء أصلياً) .