الأصل الذي جرى عليه النحاة في استنباط أحكامهم أخذهم بالأكثر والأغلب، وترك ما عداه. ففي طبقات النحويين لأبي بكر الزبيدي (ت 379هـ) أن ابن نوفل روى عن أبيه أنه سأل أبا عمرو ابن العلاء (ت 154هـ) "أخبرني عما وضعت مما سميته عربية، أيدخل فيه كلام العرب كله؟ فقال: لا. فقلت: كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة؟ فقال: أحمل على الأكثر، وأسمي ما خالفني لغات".
رأس البصرية وأول من وضع أصول النحو:
ويبدو عند التحقيق أن أول من وضع أصول النحو وقياسه هو عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي (ت 117هـ) . ذلك أن سيبويه قد سمى في كتابه من روى عنهم أصول النحو من الأئمة ولم يتجاوز الحضرمي إلى إمام قبله، فالحضرمي على هذا هو رأس البصرية.
وقد حكى السيوطي في المزهر (2/246) : "وأبو الأسود الدؤلي أول من نقط المصحف.. قال أبو حاتم.. وأما فيما روينا عن الخليل فإنه ذكر أن أبرع أصحاب أبي الأسود عنبسة الفيل، وأن ميموناً الأقرن أخذ عنه" وأردف: ".. ثم توفي وليس في أصحابه أحد مثل عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي. وكان يقال عبد الله أعلم أهل البصرة وأنقلهم، ففرع النحو وقاسه وتكلم في الهمز حتى عمل كتاباً مما أملاه. وكان رئيس الناس وواحدهم".
وهكذا كان الحضرمي أقدم من انتهج القياس وارتاح إليه وأخذ بالأكثر والأغلب. ففي طبقات الزبيدي (25) : (قال ابن سلاّم: عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي كان أول من بعج النحو ومدّ القياس وشرح العلل) . ونحو من ذلك ما جاء في نزهة الألباء (23) لأبي البركات كمال الدين بن الأنباري، إذ قال: (انه أول من علل النحو) .