ويفهم مما تقدم أن ما جاء على (فعل يفعل) بفتح الماضي والمستقبل، لا بد أن تكون العين أو اللام فيه من حروف الحلق، إلا أمثلة شذت. وقد أجمع النحويون على شذوذ مثال واحد هو (أبى يأبى) واختلفوا فيما بقي منها فأولوه.
وجاء في المخصص لابن سيده (14/125) : "وقد ذكر سيبويه أنه جاء حرف واحد على فعل يفعل بفتح العين هو أبى يأبى، وليس عينه ولا لامه حرفاً من الستة، وأردف "وقال بعض النحويين شبهوا الألف بالهمزة لأنها من مخرجها، وهو شاذ ليس بأصل، وزاد ابن السكيت عن أبي عمرو: ركن يركن..".
وقد جاز ابن جني هذا المجاز فلم يعتد بشذوذ الأمثلة التي جاءت في الظاهر على غير القياس، ذلك أنها لم تكن من أصل اللغة، ولو بدت كذلك، بل اتهم من قال بشذوذها بضعف النظر، حين وقفوا من الأمثلة عند الظاهر. ولم يتجاوزوه إلى أصولها الأولى.
قال ابن جني في باب (تركب اللغات) من الخصائص (1/379) : "اعلم أن هذا موضع قد دعا أقواماً ضعف نظرهم، وخفت إلى تلقي ظاهر هذه اللغة أفهامهم، أن جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم وادعوا أنها موضوعة من أصل اللغة..". وقد ذكر مما قيل بشذوذه: قلى يقلي وسلى يسلي وعشى يعشى وجبى يجبى وركن يركن وقنط يقنط، ومضى في تخريجها على الأصل فقال: (1/381) : "إنهم قد قالوا قليت الرجل بالفتح وقليته بالكسر. فمن قال قليته بالفتح فإنه يقول أقليه بالكسر. ومن قال قليت الرجل بالكسر قال أقلاه بالفتح، وكذلك من قال سلوته بالفتح قال أسلوه بلاضم، ومن قال سليته بالكسر قال أسلاه بالفتح" وأردف: "ثم تلاقى أصحاب اللغتين فسمع هذا لغة هذا، وهذا لغة هذا، فأخذ كل منهما من صاحبه ما ضم إلى لغته فتركب هناك لغة ثالثة، كأن من يقول سلا بالفتح أخذ مضارع من يقول سلي بالكسر فصار في لغته سَلَى يسلَى بالفتح فيهما".