مرَّ بنا في تعريف سيبويه للفعل في (الكتاب ـ 1/ 2) . قوله: "وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وماهو كائن لم ينقطع"، وقد شرح قوله هذا فقال: "فأما بناء ما مضى فذهب ... ". فقضى بأن أول أزمنة الفعل هو الماضي. وأردف: "وأما بناء مالم يقع فإنه قولك أمراً: اذهب واقتل، ومخبراً: يقتل ويذهب". فأنبنى على هذا أن ثاني الأزمنة عند سيبويه هو المستقبل أمراً كان أو مضارعاً. ومضى يقول: "وكذلك بناء مالم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت". أي وكذلك يقتل أو يذهب إذا بني للحال فهو كائن لم ينقطع، فأزمنة الفعل عند سيبويه إذاً ثلاثة: ماض ومستقبل يكون أمراً أو مضارعاً دالاً على الآتي، ومضارع أي حال مستمر. وقد جرى النحاة على هذا فالفعل عندهم ماض ومضارع للحال أو الاستقبال، وأمر مخصص بالاستقبال.
*الرأي في قسمة الفعل إلى ماض ومضارع وأمر:
لا خلاف بين الأئمة على جريان الفعل على الماضي والمضارع. فالفعل الماضي ما دلَّ على معنى مقترن بالزمان الماضي، والمضارع ما دلَّ على معنى مقترن بزمان يحتمل الحال والاستقبال. أما جريان الفعل على (الأمر) ففيه نظر.
ذلك أن الفعل يدل على الحدث مقترناً بزمان، فهل الأمر مقترن بزمان؟ ...
أقول (الأمر) صيغة يطلب بها الفعل من الفاعل، فهو صيغة إنشاء طلبي يراد بها طلب القيام بالفعل. فالكلام إما خبر وإما إنشاء. فالخبر قولك كتب زيد ويكتب عمرو. ففي الجملة ها هنا إسناد خبري مقترن بزمان. أما قولك اكتب فهو إسناد إنشائي غير مقترن بزمان فأنت تطلب من المخاطب القيام بفعل الكتابة ولا تخبره بحدث الكتابة مقترناً بزمان. فإذا استجاب المخاطب قامت استجابته فيما يستقبل من الزمان.
وإن شئت التفصيل قلت إن معنى (الأمر) غير مقترن بزمان، لأنه لا يخبر بحدث، وإنما المقترن بزمان هو تلفظك به، أي قولك (أكتب) فهو يجري في الحاضر، وكذلك الاستجابة للأمر إذا حدثت فإنها تجري في المستقبل.