اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 216
وسبب هذه الحمول والإضافات والإلحاقات كثرة هذه اللغة وسعتها وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها والتركح[1] في أثنائها[2] لما يلابسونه ويكثرون استعماله من الكلام المنثور والشعر الموزون والخطب والسجوع ولقوة إحساسهم في كل شيء شيئًا وتخيلهم ما لا يكاد يشعر به من لم يألف مذاهبهم.
وعلى هذا ما منع الصرف من الأسماء للشبه اللفظي نحو أحمر وأصفر وأصرم وأحمد وتألب وتنضب علمين[3]؛ لما في ذلك من شبه لفظ الفعل فحذفوا التنوين من الاسم لمشابهته ما لا حصة له في التنوين وهو الفعل. والشبه اللفظي كثير. وهذا كاف. [1] أي التصرف فيها والتوسع. يقال: تركح في ساحة الدار، وتركح في المعيشة: تصرف. [2] أي نواحيها ووجوهها. وأثناء الثوب: تضاعيفه ومطاويه، واحدها ثني، يكسر الثاء وسكون النون. [3] هذا راجع لـ"سنألب" و"تنضب". ويراد به التحرز عن أن يكون تألب وتنضب في معناهما الأصل في اللغة، فالنألب: شجرة تتخذ منها القسي، والتنضب: شجر له شوك قصار.
باب في الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني:
اعلم أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها وأعلاها وأنزهها. وإذا تأملته عرفت منه وبه ما يؤنقك ويذهب[1] في الاستحسان له كل مذهب بك. وذلك أن العرب كما تعنى بألفاظها فتصلحها وتهذبها وتراعيها[2]، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة وبالخطب أخرى وبالأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأفخم قدرًا في نفوسها.
فأول ذلك عنايتها بألفاظها. فإنها لما كانت عنوان معانيها وطريقًا إلى إظهار أغراضها ومراميها أصلحوها ورتبوها[3]، وبالغوا في تحبيرها وتحسينها؛ ليكون [1] كذا في أ. وفي ش، ب: "تذهب". [2] كذا في أ. وفي ب: "تداعبها"، وفي ش: "تداعيها". [3] في د: "زينوها".
اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 216