اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 151
كان في معنى ما لا بد من صحته وقولك: وكانت الحركة غير لازمة فلم نرك أوردته إلا لتستثنى به ما يورده الخصم عليك: مما صح من الياء والواو وهو متحرك وقبله فتحة. وكأنك إنما جئت إلى هذه الشواذ التي تضطرك إلى القول بتخصيص العلل فحشوت بها حديث علتك لا غير, وإلا فالذي أوجب القلب في خاف وهاب من استثقال حرفي اللين متحركين مفتوحًا ما قبلهما موجود البتة في حول وصيد وإذا كان الأمر كذلك دل على انتقاض العلة وفسادها.
قيل: لعمري إن صورة حول وصيد لفظًا هي صورة خوف وهيب إلا أن هناك من بعد هذا فرقًا وإن صغر في نفسك وقل في تصورك وحسك فإنه معنى عند العرب مكين في أنفسها متقدم في إيجابه التأثير الظاهر عندها. وهو ما أوردناه وشرطناه: من كون الحركة غير لازمة وكون الكلمة في معنى ما لا بد من صحة حرف لينه ومن تخوفهم التباسه بغيره فإن العرب -فيما أخذناه عنها وعرفناه من تصرف مذاهبها- عنايتها بمعانيها أقوى من عنايتها بألفاظها. وسنفرد لهذا بابًا نتقصاه فيه بمعونة الله. أولا تعلم عاجلا إلى أن تصير إلى ذلك الباب آجلا أن سبب إصلاحها ألفاظها وطردها إياها على المثل والأحذية[1] التي قننتها لها وقصرتها عليها إنما هو لتحصين[2] المعنى وتشريفه والإبانة عنه وتصويره, ألا ترى أن استمرار رفع الفاعل ونصب المفعول إنما هو للفرق بين الفاعل والمفعول وهذا الفرق أمر معنوي أصلح اللفظ له وقيد مقادة الأوفق من أجله.
فقد علم بهذا أن زينة الألفاظ وحليتها لم يقصد بها إلا تحصين المعاني وحياطتها. فالمعنى إذًا هو المكرم المخدوم, واللفظ هو المبتذل الخادم. [1] جمع الحذاء ككتاب. وهو في الأصل مصدر حذا الشيء: قدره. وأريد به ما يقدر عليه الشيء كالقالب، فيراد به هنا المثل والموازين التي قدرت عليها الألفاظ. [2] كذا في الأصول. والأسوغ: "تحصين".
اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 151