اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 89
بخلاف قولك: "نعم المرأة، وبئس الجارية" فإنه حَسَن في سَعَة الكلام؟ فبان الفرق بينهما.
وهذا الاعتراض الذي ذكروه ساقط، وأما التاء التي اتصلت برُبَّتَ وثَمَّتَ وإن كانت للتأنيث إلا أنها ليست التاء التي في نعمت وبئست، والدليل على ذلك من وجهين؛ أحدهما: أن التاء في "نعمت المرأةُ، وبئست الجاريةُ" لحقت الفعل لتأنيث الاسم الذي أسند إليه الفعل، كما لحقت في قولهم "قامت المرأة" لتأنيث الاسم الذي أسند إليه الفعلُ، والتاء في "ربت، وثمت" لحقت لتأنيث الحرف؛ لا لتأنيث شيء آخر، ألا ترى أنك تقول "رُبَّتَ رجل أَهَنْتُ" كما تقول "رُبَّتَ امرأة أكرمت" ولو كانت كالتاء في نعمت وبئست لما جاز أن تثبت مع المذكر كما لا يجوز أن تثبت مع المذكر في قولك "نعمت الرجل، وبئست الغلام"؛ فلما جاز أن تثبت التاء في رُبَّتَ مع المذكر دلّ على الفرق بينهما، والوجه الآخر: أن التاء اللاحقة للفعل تكون ساكنة، وهذه التاء التي تلحق هذين الحرفين تكون متحركة، فبان الفرق بينهما، وأما "لاَتَ" فلا نسلم أن التاء مزيدة فيها، بل هي كلمة على حيالها، وإن سلمنا أن التاء مزيدة فيها فالجواب من أربعة أوجه: وجهان ذكرناهما في ربت وثمت، ووجهان نذكرهما الآن؛ أحدهما: أن الكسائي كان يقف عليها بالهاء؛ فاحتجَّ بأنه سأل أبا فَقْعَس الأسديّ عنها فقال: "وَلَاهْ" فإذًا لا تكون بمنزلة التاء في ربت وثمت، ولا بمنزلة التاء في نعمت وبئست، والوجه الثاني: أن تكون التاء في "لات حين" متصلة بحين، لا بلا، كذلك ذكره أبو عُبيد القاسمُ بن سَلَّام، وحكى أنهم يزيدون التاء على حين وأوان والآن؛ فيقولون: "فعلت هذا تَحِينَ كذا، وتأوَانَ كذا، وتألآنَ" أي: حين كذا، وأوان كذا، والآن. وقال الشاعر وهو أبو وَجْزَةَ السعدي:
[61]
العاطفون تَحِينَ ما مِنْ عاطفٍ ... والمُطْعِمُون زمان أين المُطْعِمُ
[61] هذا البيت لأبي وجزة كما قال المؤلف، وقد أنشده ابن منظور "ح ي ن" عن ابن سيده وعن الجوهري، ونسبه في المرتين لأبي وجزة، وقد لفق كل واحد من هؤلاء الأئمة البيت من بيتين، وصواب الإنشاد هكذا:
العاطفون تحين ما من عاطف ... والمسبغون يدًا إذا ما أنعموا
والمانعون من الهضيمة جارهم ... والحاملون إذا الشعيرة تغرم
واللاحقون جفانهم قمع الذرى ... والمطعمون زمان أين المطعم
والاسشتهاد بالبيت في قوله "العاطفون تحين" وللعلماء في هذه العبارة رأيان: أحدهما: وهو الذي ذكر المؤلف ههنا أن هذه التاء زائدة في أول كلمة "حين" وأصل هذا الرأي لأبي زيد، زعم أنه سمع من بعض العرب زيادة التاء في أوائل بعض الظروف مثل الحين =
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 89