اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 79
فاستغنى بذكر خبر الآخر عن خبر الأول، وقال دِرْهَمُ بن زيد الأنصاريّ:
[47]
نحن بما عندنا، وأنت بما ... عندك راضٍ، والرأيُ مختلف
= حيث ذكر الشاعر إن واسمها، ثم ذكر مبتدأ مرفوعًا، وهو قوله "وقيار" وذكر بعد ذلك خبر إن وهو قوله "لغريب" وحذف خبر المبتدأ -وهو قوله "وقيار"- لأن معرفة هذا الخبر المحذوف لا تعسر على سامع هذا الكلام، بل هو متبادر إلى ذهنه من غير تكلف ولا مشقة، وأصل الكلام: فإني لغريب وقيار كذلك، أو غريب، أو مثلي، أو ما أشبه هذا، ولا يجوز في هذا البيت أن يكون قوله "لغريب" خبرًا لقوله "وقيار" لوجود لام الابتداء في هذا الخبر، ولام الابتداء تدخل في خبر إن، ولا تدخل في خبر المبتدأ إلا شذوذًا، كما لا يجوز أن يكون قوله "وقيار" معطوفًا على اسم إن، وذلك من ثلاثة أوجه: الأول: أن اسم إن منصوب، وهذا مرفوع، ومن شرط صحة العطف اتفاق المتعاطفين في الإعراب، والوجه الثاني: أن الذين صح رأيهم ممن جوزوا عطف الاسم المرفوع على اسم إن المنصوب لكون اسم إن مبتدأ في الأصل والمبتدأ مرفوع، إنما جوزوا ذلك إذا وقع الاسم المرفوع بعد استكمال إن معموليها الاسم والخبر كما في قول الشاعر:
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه ... فإن لنا الأم النجيبة والأب
فقد جاء بالاسم المرفوع -وهو قوله "والأب"- بعد أن أوفى جملة إن حقها، والوجه الثالث: أنا لو جرينا على القول المرجوح الذي يجوز مجيء الاسم المرفوع معطوفًا على اسم إن باعتبار أصله ولو لم تستوفِ إن معموليها؛ لم يجز لنا في هذا البيت أن نعطف قوله "وقيار" على اسم إن؛ لأنه لو عطف على اسم إن لوجب أن يقال: فإني وقيار بها لغريبان، لأنه حينئذ يكون خبرًا عن اثنين.
[47] هذا البيت من شواهد سيبويه "1/ 38" ومغني اللبيب لابن هشام "رقم 873" وشواهد إيضاح القزويني "رقم 95 بتحقيقنا" وليس هو لدرهم بن زيد الأنصاري كما ذكر المؤلف، ولكنه من كلام قيس بن الخطيم، والاستشهاد به في قوله "نحن وأنت راض" فإن قوله "نحن" مبتدأ، وخبره محذوف، وقوله "وأنت" مبتدأ آخر، وخبره هو قوله "راضٍ" وقد حذف الشاعر خبر المبتدأ المتقدم لدلالة خبر المبتدأ الذي بعده عليه، وتقدير الكلام: نحن راضون بما عندنا وأنت راض بما عندك، ولا يجوز أن يكون قوله "راض" خبرًا عن المبتدأ المتقدم وحده، ولا أن يكون خبرًا عن "نحن" و"أنت" جميعًا، لكون هذا الخبر مفردًا، ولا يخبر بالمفرد عن الجمع، ونظير هذا البيت في حذف خبر السابق وذكر خبر الثاني قول الشاعر:
خليلي هل طب فإني وأنتما ... -وإن لم تبوحا بالهوى- دنفان؟
فإن قوله "دنفان" يتعين أن يكون خبرًا عن "أنتما" ولا يجوز أن يكون خبرًا لإن وحدها، ولا أن يكون خبرًا لإن والاسم المرفوع بعدها معًا، وذلك لأن "دنفان" مثنى واسم إن مفرد، وهو مع الاسم المرفوع بعده جمع، ولا يجوز أن يخبر بالمثنى عن المفرد ولا عن الجمع.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 79