اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 215
إلى ذلك سبيل، ثم لو كان كما زعم لوجب أن لا تعمل؛ لأن إنَّ الثقيلة إذا خففت بطل عملها، خصوصًا على مذهبكم، وأما تشبيهه لها بلولا فحجة عليه؛ لأن لو لما ركّبت مع لا بطل حكم كل واحد منهما عما كان عليه في حالة الإفراد، وحَدَثَ لهما بالتركيب حكم آخر، وكذلك كل حرفين ركب أحدهما مع الآخر؛ فإنه يبطل حكم كل واحد منهما عما كان عليه في حالة الإفراد، ويحدث لهما بالتركيب حكم آخر، وصار هذا بمنزلة الأدوية المركبة من أشياء مختلفة فإنه يبطل حكم كل واحد منها عما كان عليه في حالة الإفراد، ويحدث لها بالتركيب حكم آخر، وهو لا يقول في "إلا" كذلك، بل يزعم أن كل واحد من الحرفين باقٍ على أصله وعمله بعد التركيب كما كان "122" قبل التركيب. وأما تشبيهه لها بحتى فبعيد؛ لأن "حتى" حرف واحد، وليس بمركب من حرفين فيعمل عمل الحرفين، وإنما هو حرف واحد يتأول تأويل حرفين في حالين مختلفين: فإن ذُهِبَ به مذهب حرف الجر لم يتوهم فيه غيره، وإن ذُهِبَ به مذهب حرف العطف لم يتوهم فيه غيره، بخلاف "إلا" فإن إلا عنده مركبة من إن ولا، وهما منطوق بهما، فإذا اعتمد على أحدهما بطل عمل الآخر وهو منطوق به، فبان الفرق بينهما.
والذي يدل على فساد ما ذهب إليه قولهم "ما قال إلا له" فإن "له" لا شيء قبله يعطف عليه، وليس في الكلام منصوب فتكون "إلا" عاملة فيه؛ فدلَّ على فساد ما ذهب إليه.
وأما قول الكسائي"إنا نصبنا المستثنى لأن تأويله إلا أنَّ زيدًا لم يقم" قلنا: لا يخلو إما أن يكون الموجب للنصب هو أنه لم يفعل، أو أنَّ، فإن أراد أن الموجب للنصب أنه لم يفعل فيبطل بقولهم "قام زيد لا عمرو1" وإن أراد أن أنَّ هي الموجبة للنصب كان اسمها وخبرها في تقدير اسم، فلا بُدّ أن يقدَّر له عامل يعمل فيه، وفيه وقع الخلاف.
وقد زعم بعض النحويين أن قول الكسائي تقدير لمعنى الكلام لا لعامله، وإلا فقوله يرجع إلى قول البصريين.
وأما ما حكي عنه من أن المستثنى ينتصب لأنه مشبه بالمفعول؛ فهو أيضًا قريب من قول البصريين؛ لأنه لا عامل ههنا يوجب النصب إلا الفعل المتقدم على ما بينَّا، والله أعلم.
1 يريد أن عمرًا في هذا المثال لم يفعل القيام، ولم ينصب، فلا يكون كونه لم يفعل عاملًا النصب، فتأمل ذلك.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 215