responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات    الجزء : 1  صفحة : 195
فإن هذه كلها مصادر لم تستعمل أفعالها، فإن زعمتم أن ما ذكرتموه من خلوّ الفعل عن المصدر يصلح أن يكون دليلا لكون الفعل أصلًا فليس بأولى مما ذكرناه من خلو المصدر عن الفعل في كون المصدر أصلًا؛ فتتحقق المعارضة فيسقط الاستدلال.
وأما قولهم "إن المصدر لا يتصور ما لم يكن فعل فاعل، والفعل وضع له فَعَلَ ويَفْعَلُ" قلنا: هذا باطل؛ لأن الفعل في الحقيقة ما يدل عليه المصدر، نحو الضَّرب والقتل، وما نسميه فعلًا من فَعَل ويَفْعَلُ إنما هو إخبار بوقوع ذلك الفعل في زمان معين، ومن المحال الإخبار بوقوع شيء قبل تسميته؛ لأنه له جاز أن يقال "ضرب زيد" قبل أن يوضع الاسم للضرب لكان بمنزلة قولك: أخبرك بما لا تعرف، وذلك محال، والذي يدل على صحة ما ذكرناه تسميته مصدرًا، قولهم "إن المراد به المفعول، لا الموضع، كقولهم: مركب فاره، ومشرب عذب، أي مركوب فاره ومشروب عذب" قلنا: هذا باطل من وجهين؛ أحدهما: أن الألفاظ إذا أمكن حملها على ظاهرها فلا يجوز العدول بها عنه، والظاهر يوجب أن يكون المصدر للموضع لا للمفعول؛ فوجب حمله عليه. والثاني: أن قولهم "مركب فاره، ومشرب عذب" يجوز أن يكون المراد به موضع الركوب وموضع الشرب، ونسب إليه الفَرَاهَة والعُذُوبة للمجاورة، كما يقال "جَرَى النهرُ" والنهر لا يجري، وإنما يجري الماء فيه، قال الله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25] فأضاف الفعل إليها وإن كان الماء هو الذي يجري فيها، لما بيَّنَّا من المجاورة، ومنه قولهم "بَلَدٌ آمِنٌ، ومكان آمِنٌ" فأضافوا الأمن إليه مجازًا؛ لأنه يكون فيه؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35] وقال تعالى: {أَوَلَمْ يرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67] فأضاف الأمن إليه لأنه يكون فيه، ومنه قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] فأضاف المكر إلى الليل والنهار لأنه يقع فيهما،

= وبعدًا، وسحقًا، ومن ذلك قولك: تعسا، وتبا، وجوعا، وجوسا، ونحو قول ابن ميادة:
تفاقد قومي.. البيت
وقال "عمرو بن أبي ربيعة المخزومي":
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا ... عدد النجم والحصى والتراب"
ا. هـ
نقول: إن أراد المؤلف ذلك المعنى لم يتم له معارضة الخصم؛ لأن من غرضه أن يقول: إن لنا في العربية مصادر ليست لها أفعال، فكيف يستقيم أن يقال: إن المصدر مأخوذ من الفعل؟ وهل ثمة فرع ليس له أصل؟ ولو أنه اقتصر على ويله وويحه وويبه وويسه لتم له الكلام؛ لأن هذه المصادر لم يستعمل العرب لها أفعالا، فاعرف هذا، ولا تكن أسير التقليد.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات    الجزء : 1  صفحة : 195
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست