اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 192
الفرع لا بُدّ أن يكون فيه الأصل، وصار هذا كما تقول في الآنية المصوغة من الفضة فإنها تدل على الفضة لا تدل على الآنية، وكما أن الآنية المصوغة من الفضة فرع عليها ومأخوذة منها فكذلك ههنا: الفعل فرع على المصدر ومأخوذ منه.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر ليس مشتقًّا من الفعل أنه لو كان مشتقًّا منه لكان يجب أن يجري على سَنَنٍ في القياس، ولم يختلف كما لم يختلف أسماء الفاعلين والمفعولين؛ فلما اختلف المصدر اختلاف الأجناس كالرجل والثوب والتراب والماء والزيت وسائر الأجناس دلّ على أنه غير مشتق من الفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال: لو كان المصدر مشتقًّا من الفعل لوجب أن يدل على ما في الفعل من الحدث والزمان وعلى معنى ثالث، ما دلَّتْ أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به[1]؛ فلما لم يكن المصدر كذلك دلّ على أنه ليس مشتقًّا من الفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر ليس مشتقًّا من الفعل قولهم "أَكْرَمَ إِكْرَامًا" بإثبات الهمزة، ولو كان مشتقًّا من الفعل لوجب أن تحذف منه الهمزة كما حذفت من اسم الفاعل والمفعول نحو "مُكْرِم، ومُكْرَم" لَمَّا كانا مشتقين منه؛ فلما لم تحذف ههنا كما حذفت مما هو مشتق منه دلّ على أنه ليس بمشتق منه.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر هو الأصل تسميته مصدرًا؛ فإن المصدر هو الموضع الذي يَصْدُرُ عنه، ولهذا قيل للموضع الذي تصدر عنه الإبل "مَصْدَر" فلما سُمِّيَ مَصْدَرًا دلّ على أن الفعل قد صَدَرَ "عنه" وهذا دليل لا بأس به في المسألة، وما اعترض به الكوفيون عليه في دليلهم فسنذكر فساده في الجواب عن كلماتهم في موضعه إن شاء الله تعالى:
أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتلُّ لاعتلاله" قلنا: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن المصدر الذي لا عِلَّة فيه ولا زيادة لا يأتي إلا صحيحًا نحو "ضَرَبْتُهُ ضَرْبًا" وما أشبه ذلك، وإنما يأتي معتلًّا ما كانت فيه الزيادة، والكلام إنما وقع في أصول المصادر، لا في فروعها. [1] في الأصل "وذات الفعل والمفعول به" وليس بشيء.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 192