اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 191
فينبغي أن يكون الفعل الذي يعرف به المصدر أصلًا للمصدر.
قالوا: ولا يجوز أن يقال "إن المصدر إنما سُمِّيَ مصدرًا لصدور الفعل عنه، كما قالوا للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدرًا لصدورها عنه" لأنا نقول: لا نسلم، بل سُمِّيَ مصدرًا لأنه مصدرو عن الفعل، كما قالوا "مَرْكَبٌ فَارِه، ومشرب عذب" أي: مركوب فاره، ومشروب عذب، والمراد به المفعول، لا الموضع، فلا تَمَسُّكَ لكم بتسميته مصدرًا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن المصدر أصل للفعل أن المصدر يدل على زمان مطلق، والفعل يدل على زمان معين، فكما أن المطلق أصل للمقيد، فكذلك المصدر أصل للفعل.
وبيان ذلك أنهم لما أرادوا استعمال المصدر وجدوه يشترك في الأزمنة كلها، لا اختصاص له بزمان دون زمان، فلما لم يتعين لهم زمان حدوثه لعدم اختصاصه اشتقوا له من لفظه أمثلة تدل على تعين الأزمنة، ولهذا كانت الأفعال ثلاثة: ماضٍ، وحاضر، ومستقبل؛ لأن الأزمنة ثلاثة؛ ليختص كل فعل منها بزمان من الأزمنة الثلاثة؛ فدلَّ على أن المصدر أصل للفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر هو الأصل أن المصدر اسم، والاسم يقوم بنفسه ويستغني عن الفعل، وأما الفعل فإنه لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى الاسم، وما يستغني بنفسه ولا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلًا مما لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى غيره.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر هو الأصل أن الفعل بصيغته يدل على شيئين: الحدث، والزمان المحصل، والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث، وكما أن الواحد أصل الاثنين فكذلك المصدر أصل الفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر هو الأصل أن المصدر له مثال واحد نحو الضَّرْبَ والقَتْلَ، والفعل له أمثلة مختلفة، كما أن الذهب نوع واحد، وما يوجد منه أنواع وصُوَر مختلفة.
ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أن المصدر هو الأصل أن الفعل بصيغته يدل على ما يدل عليه المصدر، والمصدر لا يدل على ما يدل عليه الفعل، ألا ترى أن "ضرب" يدل على ما يدل على الضَّرْبُ، والضرب لا يدل على ما يدل عليه "ضرب" وإذا كان كذلك دلّ على أن المصدر أصل والفعل فرع؛ لأن
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 191