اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 170
وأما القياس فلأن الأصل في "لكنَّ" إنَّ، زيدت عليها لا والكاف؛ فصارتا جميعًا حرفًا واحدًا، كما زيدت عليها اللام والهاء في قول الشاعر:
[130]
لهِنَّكِ من عَبْسية لوَسِيمَةٌ ... على هَنَوَاتِ كاذبٍ من يَقُولُهَا
[130] أنشد ابن منظور هذا البيت "ل هـ ن" ثاني بيتين، ونسب روايتهما إلى الكسائي، ولم يعزهما إلى قائل معين، والبيت السابق عليه قوله:
وبي من تباريح الصبابة لوعة ... قتيله أشواقي، وشوقي قتيلها
وأنشد بيتًا آخر يشترك مع بيت الشاهد في صدره، ولم يعزه إلى معين أيضًا، وهو بتمامه هكذا:
لهنك من عبسية لوسيمة ... على كاذب من وعدها ضوء صادق
والاستشهاد بالبيت في قوله "لهنك لوسيمه" وللعلماء ثلاثة آراء في تخريج هذه العبارة:
الأول: أنها في الأصل "لإنك" بلام توكيد مفتوحة ثم إن المكسورة الهمزة المشددة النون، والأصل أن لام التوكيد التي تدخل على إن المكسورة تتأخر عن إن وما يليها؛ فتدخل على خبرها كما تقول "إن زيدًا لمنطلق" أو على اسمها بشرط أن يتأخر عن الخبر كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [النحل: 66] أو على ضمير الفصل الواقع بين اسمها وخبرها نحو قوله سبحانه: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: من الآية 62] ولا يجوز أن تقترن اللام بإن، ولكنه لما أبدل الهمزة من إن هاء توهم أنها كلمة أخرى غير إن، واللام في "لوسيمة" زائدة، وهذا معنى قول الجوهري: "وقولهم لهنك -بفتح اللام وكسر الهاء- فكلمة تستعمل عند التوكيد، وأصله لإنك، فأبدلت الهمزة هاء، كما قالوا في "إياك": هياك. وإنما جاز أن يجمع بين اللام وإن وكلاهما للتوكيد لأنه لما أبدلت الهمزة هاء زال لفظ إن فصار كأنه شيء آخر" ا. هـ كلامه بحروفه، وهذا المذهب ينسب إلى سيبويه.
الرأي الثاني: ذهب جماعة من النحاة إلى أن أصل "لهنك" لاه إنك، أي والله إنك، على نحو ما جاء في قول ذي الإصبع العدواني:
لاه ابن عمك، لا أفضلت في حسب ... عني، ولا أنت دياني فتخزوني
أي لله ابن عمك، ثم حذفت الألف والهمزة من "أن" فصار لهنك، وهذا مذهب ينسب إلى الكسائي وكان أبو عليّ الفارسي يرجحه، قال ابن جني تلميذه "وفيه تعسف" قال الجوهري: "وأنشد الكسائي:
لهنك من عبسية لوسيمه
وقال: أراد الله إنك من عبسية فحذف اللام الأولى "يريد لام الجر" والألف من إنك" ا. هـ، وقد نسب المؤلف هذا الرأي إلى المفضل.
الرأي الثالث: أن أصله "والله إنك" فحذف الواو وإحدى اللامين من "والله" وحذف الهمزة من إن، وهو رأي الفراء على ما قاله المؤلف، وفيه من التعسف أكثر مما في الرأي الثاني. والصواب الأول. وقد ورد كثيرًا في شعر العرب المحتج بهم، من ذلك قول محمد بن مسلمة، وأنشده ابن منظور، وهو من شواهد الرضي، وابن يعيش "1120":
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق على وسيم
=
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 170